وأقول: الذي يظهر أن صدرها مكي كما توسمه ابن عطية، وأن ذلك ينتهي إلى قوله: [وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ] وأن ما بعد ذلك بعضه نزل بالمدينة _كما تقتضيه معانيه مثل حكاية أقوال المنافقين_ وبعضه نزل بمكة مثل آية: [أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا] الآيةَ، كما في حديث مسلم.
ويشبه أن يكون آخر السورة قوله: [إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ] نزل بالمدينة ألحق بهذه السورة بتوقيف من النبي"في خلالها أو في آخرها.
قلت: وفيها آية: [لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ] الآية، وسواء كان المراد بالفتح في تلك الآية فتح مكة أو فتح الحديبية فإنه أطلق عليه اسم الفتح وبه سميت (سورة الفتح) فهي متعينة؛ لأن تكون مدنية؛ فلا ينبغي الاختلاف في أن معظم السورة مدني.
وروي أن نزولها كان يوم الثلاثاء استناداً إلى حديث ضعيف رواه الطبراني عن ابن عمر ورواه الديلمي عن جابر بن عبدالله.
وقد عدت السورة الخامسة والتسعين في ترتيب نزول السور؛ جرياً على قول الجمهور: إنها مدنية فقالوا: نزلت بعد سورة الزلزال، وقبل سورة القتال، وإذا روعي قول ابن مسعود: إنها نزلت بعد البعثة بأربع سنين، وما روي من أن سبب إسلام عمر بن الخطاب أنه قرأ صحيفة لأخته فاطمة فيها صدر سورة الحديد _ لم يستقم هذا العد؛ لأن العبرة بمكان نزول صدر السورة لا نزول آخرها، فيشكل موضعها في عد نزول السورة.
وعلى قول ابن مسعود يكون ابتداء نزولها آخر سنة أربع من البعثة، فتكون من أقدم السور نزولاً، فتكون نزلت قبل سورة الحجر وطه، وبعد غافر؛ فالوجه أن معظم آياتها نزل بعد سورة الزلزال.
وعدت آيها في عد أهل المدينة ومكة والشام ثماناً وعشرين، وفي عد أهل البصرة والكوفة تسعاً وعشرين.
وورد في فضلها مع غيرها من السور المفتتحة بالتسبيح ما رواه أبو داود والترمذي والنسائي عن العرباض بن سارية: =أن النبي " كان يقرأ بالمسبحات قبل أن يرقد ويقول: =إن فيهن آيةً أفضل من ألف آية. وقال الترمذي: حديث حسن غريب.
وظن ابن كثير أن الآية المشار إليها في حديث العرباض هي قوله _تعالى_: [هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ] لما ورد في الآثار من كثرة ذكر رسول الله " إياها.
أغراضها:
الأغراضُ التي اشتملت عليها هذه السورة: التذكيرُ بجلال الله _تعالى_ وصفاتِه العظيمة، وسعةِ قدرته وملكوته، وعمومِ تصرفه، ووجوبِ وجوده، وسعةِ علمه، والأمرُ بالإيمان بوجوده، وبما جاء به رسوله"، وما أنزل عليه من الآيات البينات.