وحكم المنافقين وجزائهم وتكذيبهم ووصفهم بأنهم حزب الشيطان، وموادة أعداء اللّه وموالاتهم. وتميزت الآيات كلها في هذه السورة باشتمال كل آية على لفظ الجلالة :(اللّه) لتربية المهابة منه في النفوس، وعدم التجرؤ على مخالفة أحكامها.
بدئت السورة ببيان سماع اللّه صوت امرأة هي خولة بنت ثعلبة، تجادل رسول اللّه - ﷺ - في شأن مصيرها من زوجها أوس بن الصامت الذي ظاهر منها قائلا لها :«أنت علي كظهر أمي» وحكم الظهار في الجاهلية تحريم الزوجة تحريما مؤبدا، فبدّل اللّه ذلك الحكم، وجعل حكم الظهار التحريم المؤقت الذي يزول بإخراج كفارة الظهار المنصوص عليها في الآيات الأولى من هذه السورة : عتق رقبة، فصيام شهرين متتابعين، فإطعام ستين مسكينا (الآيات : ١ - ٤) وأعقبت ذلك بالحكم بإذلال وخزي الذين يعادون اللّه تعالى ورسوله - ﷺ -، وإحصاء أعمالهم وشهادته عليهم (الآيتان : ٥ - ٦).
ثم ذكرت أدب التناجي في المجالس : وهو الكلام سرا بين اثنين فأكثر أمام الآخرين، وحرّمته إذا كان تناجيا بالإثم والعدوان، كما كان يفعل اليهود والمنافقون، وأخبرت بأن اللّه يعلم سر الحديث الدائر بين اثنين فأكثر، وفضحت خبث اليهود ومكرهم وخداعهم حينما كانوا يحيون رسول اللّه - ﷺ - بتحية ظاهرها السلام، وباطنها الأذى والسب، قائلين : السام عليك يا محمد، أي الموت (الآيات : ٧ - ١٠).
وأردفت ذلك ببيان أدب التفسح في المجالس، وطلب مغادرتها، وأشادت بالمؤمنين الذين يمتثلون أوامر اللّه وأوامر رسوله، وامتدحت العلماء منهم خاصة، وأوجبت تقديم الصدقة عند مناجاة النبي - ﷺ -، ثم رفعت الحكم تخفيفا على المؤمنين وتيسير لقاء نبيهم، وجعلت محله الاشتغال بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وإطاعة اللّه ورسوله (الآيات : ١١ - ١٣).
ثم أبانت مخازي المنافقين الذين يوالون اليهود ويحبونهم، ويفشون أسرار المؤمنين لهم، ويحلفون الأيمان الكاذبة، ويعادون اللّه تعالى والرسول - ﷺ -، ويخالفون أمرهما، فهم مخذولون مهزومون، والمؤمنون أعزة منصورون (الآيات : ١٤ - ٢١).
وختمت السورة الكريمة بأمر المؤمنين بتجنب الخونة الذين يوالون أعداء الأمة ولو كانوا أقرب الناس إليهم، وينافقون ويتذبذبون بين هؤلاء وهؤلاء، لإضعاف كيان أمتهم وتفريق جمعهم، أما الأمة المتماسكة المتحابّة، فهي أمة الإيمان الحق، وأهل الجنة خالدين فيها أبدا.