ثم أبانت حكم الفيء وهو الأراضي والدور والأموال الآيلة من العدو للمسلمين من غير قتال، ببيان مصارفه وتوزيعه على مختلف فئات المسلمين، وحكمة ذلك التوزيع.
وفي ثنايا آيات الفيء امتدح اللّه تعالى مواقف المهاجرين، وأشاد بمآثر الأنصار، وانتدب الذين جاؤوا من بعدهم للثناء على من سبقهم والدعاء لهم بالمغفرة.
وقارن ذلك بعلاقة المنافقين باليهود، وتحالفهم على الباطل، وكشف أخلاق الفريقين، ومنها خذلان المنافقين من يحالفونهم وقت الأزمة، وجبن اليهود وخوفهم من مواجهة المؤمنين، وتشبيه المنافقين بالشيطان الذي يغري الإنسان بالسوء والضلال، ثم يتخلى عنه في الوقت العصيب.
ثم أمر اللّه المؤمنين بالتقوى، والاستعداد ليوم القيامة وما فيه من أهوال جسام، والاعتبار بأحوال الماضين، وتذكر الفرق العظيم بين أهل الجنة وأهل النار، ومصير السعداء والأشقياء في دار الخلود.
وختمت السورة ببيان عظمة القرآن الكريم، وعظمة من أنزله واتصافه بأوصاف الجلال، وتسميته بالأسماء الحسنى. (١)
وتسمى سورة بنى النضير، وهي مدنية بالإجماع، وعدد آياتها أربع وعشرون آية، وتشتمل السورة على قصة إجلاء بنى النضير، وحكم الفيء في الإسلام، وموقف المنافقين من بنى النضير، ثم وعظ المسلمين بالتقوى وموجباتها. (٢)
قال البقاعي : وتسمى سورة - بني النضير - وأخرج البخاري وغيره عن ابن جبير قال : قلت لابن عباس سورة الحشر، قال : قل : سورة بني النضير، قال ابن حجر : كأنه كره تسميتها بالحشر لئلا يظن أن المراد به يوم القيامة وإنما المراد هاهنا إخراج بني النضير.
وهي مدنية، وآيها أربع وعشرون بلا خلاف، ومناسبتها لما قبلها أن في آخر تلك كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي [المجادلة : ٢١] وفي أول هذه فَأَتاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ [الحشر : ٢] وفي آخر تلك ذكر من حادّ اللّه ورسوله، وفي أول هذه ذكر من شاقّ اللّه ورسوله، وأن في الأولى ذكر حال المنافقين واليهود وتولي بعضهم بعضا، وفي هذه ذكر ما حل باليهود وعدم إغناء تولي المنافقين إياهم شيئا، فقد روي أن بني النضير كانوا قد صالحوا رسول اللّه صلّى اللّه تعالى عليه وسلم على أن لا يكونوا عليه ولا له فلما ظهر يوم بدر قالوا : هو النبي الذي نعت في التوراة لا تردّ له راية فلما هزم المسلمون يوم أحد ارتابوا ونكثوا، فخرج كعب بن الأشرف في أربعين راكبا إلى مكة

(١) - التفسير المنير ـ موافقا للمطبوع - (٢٨ / ٦٢) و تفسير الشيخ المراغى ـ موافقا للمطبوع - (٢٨ / ٣٠)
(٢) - التفسير الواضح ـ موافقا للمطبوع - (٣ / ٦٤١)


الصفحة التالية
Icon