٦ - ثم أمر - سبحانه - نبيه - ﷺ - أن يبايع النساء المؤمنات على ما بايع عليه الرجال، وأن يأخذ عليهن العهود على الطاعة للّه - تعالى - والبعد عن محارمه.
قال - تعالى - : يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً، وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ، وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ، وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ، فَبايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ، إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ.
٧ - ثم ختم - سبحانه - السورة الكريمة بتوجيه نداء ثالث إلى المؤمنين نهاهم فيه مرة أخرى عن موالاة أعداء اللّه وأعدائهم.. فقال - سبحانه - : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ.
٨ - هذا والمتأمل في هذه السورة الكريمة، يراها قد ساقت للمؤمنين ألوانا من التربية التي تغرس العقيدة السليمة في قلوبهم، وتجعلهم يضحون من أجلها بكل شيء، ويقدمونها في تصرفاتهم على محبة الآباء والأبناء والعشيرة والأموال، وتكشف لهم عن سوء نيات الكافرين نحوهم، وعن حرصهم على إنزال الضرر بهم، كما ضربت لهم الأمثال بإبراهيم - عليه السلام - لكي يقتدوا به في قوة إيمانه، وفي إخلاصه لدينه، كما بينت لهم من يجوز لهم مودتهم من الكافرين، ومن لا يجوز لهم ذلك منهم.. ثم ختمت ببيان بعض الأحكام التي تتعلق بالنساء المؤمنات المتزوجات من الكافرين، وبالنساء اللائي جئن إلى الرسول - ﷺ - لكي يبايعنه على الإيمان والطاعة. (١)
في السورة نهي عن موالاة الكفار الأعداء المعتدين مهما ربطت بينهم وبين المسلمين أرحام. ودعوة للتأسي بإبراهيم والمؤمنين معه في موقفهم من قومهم الكافرين. وتأميل باهتداء الكفار. وتقرير بأن النهي لا يتناول المسالمين بحيث لا حرج على المسلمين من موادة هؤلاء والبرّ بهم. وإنما يتناول الأعداء المؤذين والمتظاهرين معهم على الإسلام والمسلمين. وأمر بعدم إرجاع المسلمات المهاجرات إلى الكفار. وتحريم بقاء المسلمين مرتبطين بزوجاتهم الكافرات.
وأمر بمبايعة المسلمات وأخذ العهد عليهن استقلالا. وانطوى في السورة صور عديدة من السيرة النبوية. وتلقينات جليلة المدى.
وهي فصلان مستقلان في الموضوع متناسبان في الظروف. وإذا صحت الروايات التي سوف نوردها بعد فإن الأمر بمبايعة النبي - ﷺ - للنساء المسلمات يكون قد نزل بعد الفتح المكي. وعلى كل حال فالذي

(١) - التفسير الوسيط للقرآن الكريم-موافق للمطبوع - (١٤ / ٣١٧)


الصفحة التالية
Icon