نرجحه أنها من السور التي ألفت تأليفا في وقت متأخر بعد نزول ما اقتضت حكمة اللّه ورسوله أن تحتويه من فصول.
والمصحف الذي اعتمدنا عليه وكذلك روايات ترتيب النزول الأخرى «١» تذكر أن هذه السورة نزلت بعد سورة الأحزاب وقبل سورة الفتح التي احتوت إشارة إلى رحلة الحديبية وصلحها بسور عديدة. في حين أن مضامينها والروايات الواردة في صددها تسوغ القول - بقوة - بأنها نزلت بعد ذلك الصلح، بل وبين يدي فتح مكة الذي كان بعد ذلك الصلح بسنتين. وهذا ما جعلنا نخالف روايات الترتيب فيها كما فعلنا في بعض السور ونؤخرها إلى ما بعد سورة الفتح التي نزلت عقب ذلك الصلح مباشرة ثم إلى ما بعد سورة المائدة التي نزل فصلها الأول كذلك عقبه على ما شرحناه في سياق تفسير السورتين. وبذلك يتم التساوق في ترتيب النزول في نطاق ما هو معروف من صحيح الوقائع. واللّه أعلم. (١)
سورة الممتحنة مدنيّة، وهي ثلاث عشرة آية.
تسميتها : سميت سورة الممتحنة (بكسر الحاء) أي المختبرة، بإضافة الفعل إلى المرأة مجازا، كما سميت سورة (براءة) : المبعثرة والفاضحة، لما كشفت عيوب المنافقين. ويقال :(الممتحنة) بفتح الحاء وهو المشهور بإضافة الفعل حقيقة إلى المرأة التي نزلت فيها، وهي أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، قال اللّه تعالى : فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ [١٠] الآية. وهي امرأة عبد الرحمن بن عوف، ولدت له إبراهيم بن عبد الرحمن.
مناسبتها لما قبلها :
تظهر مناسبة هذه السورة لما قبلها وهي سورة الحشر من وجهين :
١ - ذكر في الحشر موالاة المؤمنين بعضهم بعضا، ثم موالاة الذين نافقوا للكفار من أهل الكتاب، وافتتحت هذه السورة بنهي المؤمنين عن اتخاذ الكافر أولياء، لئلا يشابهوا المنافقين في ذلك، وكرر النهي في السورة، ثم ختمت به.
٢ - كانت سورة الحشر في المعاهدين من أهل الكتاب، وهذه السورة للمعاهدين من المشركين، لأنها نزلت في صلح الحديبية، فالسورتان تشتركان في بيان علاقات المسلمين مع غيرهم.
ما اشتملت عليه السورة :
موضوع هذه السورة كغالب السور المدنية في بيان الأحكام التشريعية، وهي هنا أحكام المتعاهدين من المشركين، والذين لم يقاتلوا المسلمين، والمؤمنات المهاجرات وامتحانهن.