فلما نزل الجهاد كره ذلك ناس من المؤمنين وشق عليهم. فأنزل الله سبحانه وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ﴾.
ومثله عن أبي صالح أن السورة نزلت بعد أن أمروا بالجهاد بآيات غير هذه السورة. وبعد أن وعدوا بالانتداب للجهاد ثم تقاعدوا عنه وكرهوه. وهذا المروي عن ابن عباس وهو أوضح وأوفق بنظم الآية، والاستفهام فيه للتوبيخ واللوم وهو المناسب لقوله بعده ﴿كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ﴾ [الصف: ٣].
وعن مقاتل بن حيان: قال المؤمنون: لو نعلم أحب الأعمال إلى الله لعملنا به فدلهم الله فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً﴾ [الصف: ٤]، فابتلوا يوم أحد بذلك فولوا مدبرين فأنزل الله ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ﴾. ونسب الواحدي مثل هذا للمفسرين وهو يقتضي أن صدر الآية نزل بعد آخرها.
وعن الكلبي: أنهم قالوا: لو نعلم أحب الأعمال إلى الله لسارعنا إليها فنزلت ﴿هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [الصف: ١٠] الآية. فابتلوا يوم أحد فنزلت ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ﴾ تعيرهم بترك الوفاء. وهو يقتضي أن معظم السورة قبل نزول الآية التي في أولها.
وهي السورة الثامنة والمائة في ترتيب نزول السور عند جابر بن زيد. نزلت بعد سورة التغابن وقبل سورة الفتح. وكان نزولها بعد وقعة أحد.
وعدد آيها أربع عشرة آية باتفاق أهل العدد.
أغراضها
أول أغراضها التحذير من إخلاف الوعد والالتزام بواجبات الدين.
والتحريض على الجهاد في سبيل الله والثبات فيه، وصدق الإيمان.
والثبات في نصرة الدين.
والائتساء بالصادقين مثل الحواريين.
والتحذير من أذى الرسول - ﷺ - تعريضا باليهود مثل كعب بن الأشرف.
وضرب المثل لذلك بفعل اليهود مع موسى وعيسى عليهما السلام.
والتعريض بالمنافقين.
والوعد على إخلاص الإيمان والجهاد بحسن مثوبة الآخرة والنصر والفتح. (١)