مناسبتها لما قبلها
كانت السورة السابقة « الممتحنة » حديثا متصلا إلى المؤمنين، وما ينبغى أن يكون عليه موقفهم من المشركين، والذين يكيدون للإسلام والمسلمين، وأن هذا الموقف يقتضيهم أن يقطعوا ما بينهم وبين هؤلاء وهؤلاء من صلات القربى والمودة، وأن يجعلوا ولاءهم خالصا لدين اللّه والمؤمنين باللّه ـ وهذه حال من شأنها أن تكشف عن ضعف بعض النفوس التي لا تحتمل هذه التجربة، ولا تصبر على هذا الامتحان، وهنا تكثر الأقوال التي يدّعى أصحابها دعاوى تحدّث عن موقفهم من المشركين، والمنافقين، على حين أن حالة أفعالهم أو ما فى قلوبهم، تخالف هذه الأقوال.. فكان أن بدأت سورة (الصف) بالتسبيح بحمد اللّه الذي هدى المؤمنين إلى الإيمان، ثم ببيان المنهج الذي ينهجه المؤمنون، كى يبقى هذا الإيمان سليما قوبا فى صدورهم.. وأساس هذا المنهج هو الأفعال لا الأقوال.. الأفعال التي تصدر عن قلب مؤمن، وعن مشاعر مستجيبة لهذا الإيمان، لا الأقوال التي لا يصدّقها العمل، ولا يزكيها الإيمان.. « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ. كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ ».. وهكذا تبدأ سورة « الصفّ » فتتصل هذا الاتصال الوثيق بسورة « الممتحنة » قبلها. (١)
مقدمة وتمهيد
١ - سورة « الصف » من السور المدنية الخالصة، وقد اشتهرت بهذا الاسم منذ عهد النبوة.
فقد أخرج الإمام أحمد عن عبد اللّه بن سلام قال : تذاكرنا : أيكم يأتى رسول اللّه - ﷺ - فيسأله عن أحب الأعمال إلى اللّه؟ فلم يقم أحد منا، فأرسل إلينا رسول اللّه - ﷺ - رجلا، فجمعنا فقرأ علينا هذه السورة، يعنى سورة الصف كلها.
قال الآلوسى : وتسمى - أيضا - سورة الحواريين، وسورة عيسى - عليه السلام -.
وعدد آياتها أربع عشرة آية، وكان نزولها بعد سورة « التغابن » وقبل سورة « الفتح ».
٢ - وقد افتتحت بتسبيح اللّه - تعالى - عن كل ما لا يليق به، ثم وجهت نداء إلى المؤمنين نهتهم فيه أن يقولوا قولا لم تطابقه أفعالهم، فقال - تعالى - يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ. كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ.
وبعد أن ذكر - سبحانه - جانبا مما قاله موسى - عليه السلام - لقومه، وما قاله عيسى - عليه السلام - لقومه، أتبع ذلك ببيان ما جبل عليه الكافرون من كذب على الحق ومن كراهية لظهور نوره، فقال