- تعالى - وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ. وَهُوَ يُدْعى إِلَى الْإِسْلامِ، وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ، يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ، وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ.
٣ - ثم وجه - سبحانه - نداء إلى المؤمنين، دعاهم فيه - بأبلغ أسلوب - إلى الجهاد في سبيله، بالأنفس والأموال، وحضهم على أن يقتدوا بالحواريين فقال : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصارَ اللَّهِ كَما قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوارِيِّينَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ، قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ، فَآمَنَتْ طائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ وَكَفَرَتْ طائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلى عَدُوِّهِمْ، فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ.
٤ - وهكذا نجد السورة الكريمة تفتتح بتنزيه اللّه - تعالى - عن كل نقص، وتنهى عن أن تكون الأقوال مخالفة للأفعال، وتبشر الذين يجاهدون في سبيل اللّه - تعالى - بمحبته ورضوانه، وتذم الذين آذوا رسل اللّه - تعالى - وأنكروا نبوتهم بعد أن جاءوهم بالبينات، وترشد إلى التجارة الرابحة التي توصل إلى الفوز العظيم. (١)
في السورة كسابقتها تقرير بتسبيح كل ما في السموات والأرض للّه. وتنديد ببعض المسلمين الذين يقولون ما لا يفعلون. ودعوة للصدق والتضامن في القتال في سبيل اللّه وإيذان بحب اللّه لمن يفعلون ذلك. وتذكير تحذيري بما كان من بني إسرائيل إزاء موسى عليه السلام من إزعاج وأذى. وحكاية لقول عيسى عليه السلام لقومه بماهية رسالته وبشارته بالنبي محمد - ﷺ - بعده. وإيذان بأن اللّه قد أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليكون الدين الظاهر على جميع الأديان وبأن سيتم نوره ويحبط جهد الذين يريدون إطفاءه. وبشارة دنيوية وأخروية للمجاهدين في سبيل اللّه وحثّ على الجهاد. ودعوة للتأسي بالحواريين في نصر دين اللّه.
وآيات السورة مترابطة ووحدة تامة وفيما جاء في صدد موسى وعيسى عليهما السلام تدعيم موقف النبي من الدعوة إلى الجهاد مما يحمل على الترجيح بنزولها دفعة واحدة أو متتابعة مع التنبيه إلى أن هناك حديثا يذكر أنها نزلت دفعة واحدة في مناسبة معينة على ما سوف يرد بعد «١».
وقد قال الزمخشري إن السورة مكية. وروى بعضهم هذا عن عطاء أيضا «٢».
وهذا عجيب، وفيه مثال للاهتمام بالرواية أكثر من النصّ. فحثّ المؤمنين على الجهاد والقتال في السورة والتنديد بالمقصرين فيه يجعلان احتمال مكيتها مستحيلا. لأن القتال إنما فرض وحرّض عليه بعد الهجرة. وكان النبي - ﷺ - لا يأذن للمسلمين في مكة حتى ولا بمقابلة المشركين بأذى على أذاهم وقد هدّأهم القرآن وطلب منهم التسامح في آية سورة الجاثية هذه قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ [١٤]

(١) - التفسير الوسيط للقرآن الكريم-موافق للمطبوع - (١٤ / ٣٥١)


الصفحة التالية
Icon