على ما شرحناه في سياقها. وإلى هذا المعنى أشارت آية سورة النساء هذه أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْلا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا (٧٧).
وفي السورة آيات قد تكون قرينة على كونها نزلت قبيل صلح الحديبية ووقعة خيبر.
وهاتان الوقعتان قد أشير إليهما في سورة الفتح التي يأتي ترتيبها بعد هذه السورة، حيث يكون في ذلك قرينة على صحة ترتيبها. واللّه أعلم. (١)
سورة الصف مدنيّة، وهي أربع عشرة آية.
تسميتها : سميت سورة الصف، لقوله تعالى في مطلعها : إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا، كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ [٤].
مناسبتها لما قبلها :
تظهر مناسبة هذه السورة لما قبلها من وجهين :
١ - نهت السورة السابقة في مطلعها وأثنائها وختامها عن موالاة الكفار من دون المؤمنين، وأمرت هذه السورة بوحدة الأمة ووقوفها صفا واحدا تجاه الأعداء.
٢ - ذكرت السورة المتقدمة أحكام العلاقات الدولية بين المسلمين وغيرهم داخل الدولة الإسلامية وخارجها، وقت السلم، وحرضت هذه السورة على الجهاد ورغبت فيه بسبب العدوان، وأنّبت التاركين للقتال وشبهتهم ببني إسرائيل الذين عصوا موسى عليه السلام حين ندبهم للقتال، ثم عصوا عيسى عليه السلام حين أمرهم باتباعه بعد إتيانه بالبينات والمعجزات، واتباع النبي محمد - ﷺ - الذي بشر به.
ما اشتملت عليه السورة :
إن محور السورة وموضوعها هو القتال وجهاد الأعداء، والتضحية في سبيل اللّه تعالى، وبيان ثواب المجاهدين العظيم، وذلك من الأحكام التشريعية التي تعنى بها السور المدنية عادة.
وقد بدئت السورة بتسبيح اللّه سبحانه وتنزيهه وتمجيده تنبيها لعظمة منزلها، وبيان خطورة ما ترشد إليه من وجوب الحفاظ على وحدة الأمة الإسلامية، ووقوفها صفا واحدا في قتال الأعداء، لرفع منار الحق، وإعلاء كلمة اللّه تعالى، ثم لوم الذين يخالفون بعملهم أقوالهم.

(١) - التفسير الحديث لدروزة- موافق للمطبوع - (٨ / ٥٥٥)


الصفحة التالية
Icon