هذه السورة فصلان. في أولهما تنديد باليهود بسبب تفاخرهم باختصاص اللّه إيّاهم بالفضل على غيرهم وتكذيبهم وتحدّ لهم. وبيان ما كان من فضل اللّه على العرب الأميين في إرسال نبي منهم إليهم يزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة. وفي ثانيهما تنديد بفريق من المسلمين كانوا يتركون النبي يوم الجمعة وهو يخطب ويخرجون من المسجد إذا ما رأوا لهوا أو تجارة. وحظر للبيع في وقت صلاة الجمعة. وإيجاب للسعي إليها. وإباحة ابتغاء فضل اللّه بالتجارة بعدها.
ولا يبدو تناسب موضوعي وظرفي بين فصلي السورة مع اقتصارها عليهما.
ولا يبدو حكمة ذلك واضحة إلى أن يكون اليهود قد أنكروا بعث اللّه تعالى نبيّا من الأميين ثم فاخروا المسلمين بأن توراتهم احتوت تحديد يوم للّه من أيام الأسبوع ثم تفاخروا بأنهم هم وحدهم أولياء اللّه. فأوحى اللّه بفصول السورة على سبيل الردّ والتنديد والتحدي. ولقد روى البخاري ومسلم حديثا عن أبي هريرة سنورده في سياق تفسير الآيات الأولى من السورة تفيد عبارته أن سورة الجمعة نزلت دفعة واحدة. وقد يدعم هذا ما خمنّاه وما هو نتيجة ذلك من ترابط فصلي السورة. واللّه تعالى أعلم.
وترتيب هذه السورة في ترتيب النزول الذي يرويه المصحف الذي اعتمدناه هو الرابع والعشرون. والتراتيب المروية الأخرى مقاربة لذلك «١». مع أن محتوى السورة يدل على أنها نزلت في وقت كان في المدينة فيه فريق من اليهود وكانوا على شيء من القوة والاعتداد. ولما كان يهود بني قريظة هم آخر من بقي من اليهود في المدينة وقد نكّل النبي - ﷺ - بهم في السنة الهجرية الخامسة بعد وقعة الخندق. وقد أشير إلى ذلك في سورة الأحزاب. فعلى أقل تقدير تكون سورة الجمعة قد نزلت قبل ذلك وبالتبعية قبل سورة الأحزاب. وهذا ما يبرر تقديم تفسيرها على هذه السورة. واللّه تعالى أعلم. (١)
سورة الجمعة مدنيّة، وهي إحدى عشرة آية.
تسميتها : سميت سورة الجمعة لاشتمالها على الأمر بإجابة النداء لصلاة الجمعة، في قوله تعالى : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ....
مناسبتها لما قبلها :
يتضح وجه اتصال هذه السورة بما قبلها من نواح أربع هي :
١ - ذكر تعالى في السورة التي قبلها حال موسى مع قومه، وإيذاءهم له، مؤنبا لهم، وذكر في هذه السورة حال الرسول - ﷺ - وفضل أمته، تشريفا لهم، ليظهر الفرق بين الأمتين وفضل الأمة الاسلامية.

(١) - التفسير الحديث لدروزة- موافق للمطبوع - (٧ / ٣٢٨)


الصفحة التالية
Icon