أمر الانفضاض الذي تضمنه آخر السورة وكذا أمر اليهود المشار إليه بقوله سبحانه : قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ [الجمعة : ٦] إلخ - لم يكن إلا بالمدينة - وآيها إحدى عشرة آية بلا خلاف، ووجه اتصالها بما قبلها أنه تعالى لما ذكر فيما قبل حال موسى عليه السلام مع قومه وأذاهم له ناعيا عليهم ذلك ذكر في هذه السورة حال الرسول صلّى اللّه تعالى عليه وسلم وفضل أمته تشريفا لهم لينظر فضل ما بين الأمتين، ولذا تعرض فيها لذكر اليهود، وأيضا لما حكي هناك قول عيسى عليه السلام وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ [الصف : ٦] قال سبحانه هنا : هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ [الجمعة : ٢] إشارة إلى أنه الذي بشر به عيسى، وأيضا لما ختم تلك السورة بالأمر بالجهاد وسماه تِجارَةٍ [الصف : ١٠] ختم هذه بالأمر بالجمعة وأخبر أن ذلك خير من التجارة الدنيوية. وأيضا في كلتا السورتين إشارة إلى اصطفاف في عبادة، أما في الأولى فظاهر، وأما في هذه فلأن فيها الأمر بالجمعة، وهي يشترط فيها الجماعة التي تستلزم الاصطفاف إلى غير ذلك، وقد كان صلّى اللّه تعالى عليه وسلم - كما أخرج مسلم - وأبو داود والنسائي وابن ماجة عن ابن عباس - يقرأ في الجمعة بسورتها - وإِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ [المنافقون : ١].
وأخرج ابن حبان والبيهقي في سننه عن جابر بن سمرة أنه قال : كان رسول اللّه صلّى اللّه تعالى عليه وسلم يقرأ في صلاة المغرب ليلة الجمعة قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ [الكافرون : ١] وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص : ١] وكان يقرأ في صلاة العشاء الأخيرة ليلة الجمعة سورة الجمعة. والمنافقون - وفي ذلك دلالة على مزيد شرف هذه السورة. (١)
* هذه السورة الكريمة مدنية وهي تتناول جانب التشريع، والمحور الذي تدور عليه السورة بيان أحكام " صلاة الجمعة " التي فرضها الله على المؤمنين.
* تناولت السورة الكريمة بعثة خاتم الرسل محمد بن عبد الله ( - ﷺ - ) وبينت أنه الرحمة المهداة، أنقذ الله به العرب والعالم، من ظلام الشرك والضلال، وأكرم به الإنسانية، فكانت رسالته بلسما لأمراض المجتمع البشري، بعد أن كان يتخبط في الظلام.
* ثم تحدثت السورة عن اليهود، وانحرافهم عن شريعة الله، حيث كلفوا بالعمل بأحكام التوراة، ولكنهم أعرضوا عنها، ونبذوها وراء ظهورهم، وضربت مثلا لهم بالحمار، الذي يحمل على ظهره الكتب الكبيرة النافعة، ولكنه لا يناله منها إلا العناء والتعب، وذلك نهاية الشقاء والتعاسة.