ثم تثبيت المؤمنين على ما يلاقونه من ضر أهل الكفر بهم فليتوكلوا على الله في أمورهم.
وتحذير المؤمنين من بعض قرابتهم الذين تغلغل الإشراك في نفوسهم تحذيرا من أن يثبطوهم عن الإيمان والهجرة.
وعرض لهم بالصبر على أموالهم التي صادرها المشركون.
وأمرهم بإنفاق المال في وجوه الخير التي يرضون بها ربهم وبتقوى الله والسمع له والطاعة. (١)
مناسبتها لما قبلها
كانت سورة المنافقين حديثا متصلا عن النفاق وأهله، وأن هذا الفريق من الناس لن يقبل خيرا، ولن يهتدى من ضلال، أو يستقيم على هدى.. هكذا المنافقون، هم على هذه الطبيعة النكدة، التي لا يصلح من اعوجاجها شىء أبدا..
وقد كان من بداية سورة التغابن هذه، قوله تعالى :« هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ » ـ ليقرر هذه الحقيقة العاملة فى الناس، والمفرقة بينهم فى مقام الكفر والإيمان، والضلال والهدى. فهكذا خلقهم اللّه.. كافرين، ومؤمنين.
فاللّه سبحانه يخلق ما يشاء، كما يشاء.. « أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ » (٥٤ : الأعراف) فكما فرق سبحانه بين عوالم المخلوقات، من حيوان، ونبات، وجماد ـ فرّق سبحانه كذلك فى صور هذه العوالم، فجعل من كل عالم أنواعا، وأشكالا لا حصر لها..«وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ ما يَشاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٤٥ : النور).. « وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ »(٤ : الرعد).. « وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها وَغَرابِيبُ سُودٌ وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ كَذلِكَ » (٢٧، ٢٨ : فاطر) فهذا الاختلاف والتنوع بين المخلوقات، هو من دلائل قدرة اللّه، وإنه ليس لمخلوق أن يعترض على الخلق الذي أقامه اللّه سبحانه وتعالى فيه :« لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ » :(٢٣ : الأنبياء) فهذا البدء الذي بدئت به سورة « التغابن » هو إلفات للمؤمنين الذين رأوا فى صور المنافقين ما يكره وبذمّ.. إلفات لهم إلى فضل اللّه عليهم، وأنه سبحانه.. خلقهم للإيمان، وهداهم إليه، ولو شاء سبحانه لجعلهم فى هؤلاء المنافقين، وألبسهم ثوب النفاق وهم فى عالم الخلق والتكوين. وإنه لمطلوب من المؤمنين إزاء هذا الإحسان، أن يستجيبوا لما دعاهم اللّه سبحانه وتعالى إليه، من الإنفاق مما رزقهم اللّه،