بعد أن يتخففوا من سلطان الأثرة والشح الذي يمسك الأيدى عن الإنفاق، وهو الحب الشديد للمال والولد ذلك الحب الذي يلهى عن ذكر اللّه، ويشغل عن طاعته. وإنه لمطلوب منهم كذلك أن يسبّحوا بحمد اللّه، وأن ينتظموا فى موكب الوجود كله فى هذه الصلوات الخاشعة الضارعة للّه سبحانه، وفى هذا الولاء لجلاله وعظمته. (١)
مقدمة وتمهيد
١ - سورة التغابن هي السورة الرابعة والستون في ترتيب المصحف، أما نزولها على النبي - ﷺ - فكان - كما ذكره صاحب الإتقان بعد سورة « الجمعة » وقبل سورة « الصف ».
وعدد آياتها ثماني عشرة آية.
٢ - وجمهور المفسرين على أنها من السور المدنية.
قال الشوكانى : وهي مدنية في قول الأكثر، وقال الضحاك : هي مكية، وقال الكلبي :
هي مكية ومدنية.
أخرج ابن الضريس عن ابن عباس أنه قال : نزلت سورة التغابن بالمدينة.
وفي رواية أخرى عنه : أنها نزلت بمكة إلا آيات من آخرها نزلن بالمدينة في عوف بن مالك الأشجعى، شكا إلى رسول اللّه - ﷺ - جفاء أهله وولده، فأنزل اللّه - تعالى - يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ.. إلى آخر السورة.
ويبدو لنا أن بعض آيات هذه السورة يغلب عليها طابع القرآن المكي، كالآيات التي تتحدث عن مظاهر قدرة اللّه - تعالى - وعن إنكار المشركين للبعث والرد عليهم.
لذا نرجح - واللّه أعلم - أن النصف الأول منها من القرآن المكي، والنصف الأخير من القرآن المدني.
٣ - والسورة الكريمة بعد ذلك من أهم مقاصدها : تنزيه اللّه - تعالى - عن الشريك أو الولد، وبيان ألوان من مظاهر قدرته ومننه على خلقه، والرد على المشركين الذين زعموا أنهم لن يبعثوا، والمقارنة بين حسن عاقبة الأخيار وسوء عاقبة الأشرار، وبيان أن كل شيء يقع في هذا الكون هو بقضاء اللّه وقدره. وتحريض المؤمنين على تقوى اللّه - تعالى - وعلى إيثار ما عنده على كل شيء من شهوات هذه الدنيا (٢).
في السورة تقرير تسبيحي وتنزيهي من كل ما في السموات والأرض للّه.

(١) - التفسير القرآني للقرآن ـ موافقا للمطبوع - (١٤ / ٩٧٠)
(٢) - التفسير الوسيط للقرآن الكريم-موافق للمطبوع - (١٤ / ٤١٩)


الصفحة التالية
Icon