العناصر الإنسانية من حياة النبي - ﷺ - وليست هذه العناصر موضع اتهام يدفعه الأنصار عن نبيهم. إذا حلا لأعدائه أن يتهموه! فقد اختير ليكون إنسانا. ولكن إنسانا رفيعا. وهكذا كان. وهكذا كانت دوافعه في حياته وفي أزواجه - ﷺ - على اختلاف الدوافع والأسباب.
ولقد عاش في بيته مع أزواجه بشرا رسولا كما خلقه اللّه، وكما أمره أن يقول :«قل : سبحان ربي! هل كنت إلا بشرا رسولا؟»..
استمتع بأزواجه وأمتعهن، كما قالت عائشة - رضي اللّه عنها - عنه :«كان إذا خلا بنسائه ألين الناس. وأكرم الناس ضحاكا بساما ».. ولكنه إنما كان يستمتع بهن ويمتعهن من ذات نفسه، ومن فيض قلبه، ومن حسن أدبه، ومن كريم معاملته. فأما حياتهن المادية فكانت في غالبها كفافا حتى بعد أن فتحت له الفتوح وتبحبح المسلمون بالغنائم والفيء. وقد سبق في سورة الأحزاب قصة طلبهن الوسعة في النفقة، وما أعقب هذا الطلب من أزمة، انتهت بتخييرهن بين اللّه ورسوله والدار الآخرة، أو المتاع والتسريح من عصمته - ﷺ - فاخترن اللّه ورسوله والدار الآخرة.
ولكن الحياة في جو النبوة في بيوت رسول اللّه - ﷺ - لم تكن لتقضي على المشاعر البشرية، والهواتف البشرية في نفوس أزواجه - رضي اللّه عنهن - فقد كان يبدر أو يشجر بينهن، ما لا بد أن يشجر في قلوب النساء في مثل هذه الحال. وقد سلف في رواية ابن إسحاق عن عائشة - رضي اللّه عنها - أنها كرهت جويرية بمجرد رؤيتها لما توقعته من استملاح رسول اللّه - ﷺ - لها إذا رآها. وصح ما توقعته فعلا! وكذلك روت هي نفسها حادثا لها مع صفية. قالت. «قلت للنبي - ﷺ - : حسبك من صفية كذا وكذا. قال الراوي : تعني قصيرة! فقال - ﷺ - :«لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته «٣»».. كذلك روت عن نفسها أن النبي - ﷺ - حين نزلت آية التخيير التي في الأحزاب، فاختارت هي اللّه ورسوله والدار الآخرة، طلبت إليه ألا يخبر زوجاته عن اختيارها! - وظاهر لماذا طلبت هذا! - فقال - ﷺ - :«إن اللّه تعالى لم يبعثني معنفا، ولكن بعثني معلما ميسرا. لا تسألني امرأة منهن عما اخترت إلا أخبرتها.. ».
وهذه الوقائع التي روتها عائشة - رضي اللّه عنها - عن نفسها - بدافع من صدقها ولتربيتها الإسلامية الناصعة - ليست إلا أمثلة لغيرها تصور هذا الجو الإنساني الذي لا بد منه في مثل هذه الحياة. كما تصور كيف كان الرسول - ﷺ - يؤدي رسالته بالتربية والتعلية في بيته كما يؤديها في أمته سواء.
وهذا الحادث الذي نزل بشأنه صدر هذه السورة هو واحد من تلك الأمثلة التي كانت تقع في حياة الرسول - ﷺ - وفي حياة أزواجه. وقد وردت بشأنه روايات متعددة ومختلفة سنعرض لها عند استعراض النصوص القرآنية في السورة.


الصفحة التالية
Icon