والمؤمنين الأخروي، وحملة تنديد وإنذار على الكفار وردود على ما كانوا يقولونه في مواقف الجدل مع النبي - ﷺ -. وآياتها منسجمة متوازنة مما يسوغ القول بوحدة نزولها.
ولقد روى بعض أصحاب الكتب الخمسة بعض الأحاديث في فضل هذه السورة. منها حديث رواه أبو داود والترمذي عن أبي هريرة عن النبي - ﷺ - قال :
«سورة من القرآن ثلاثون آية تشفع لصاحبها حتى غفر له تبارك الذي بيده الملك» «١». وحديث رواه الترمذي عن ابن عباس قال :«ضرب بعض أصحاب النبي - ﷺ - خباءه على قبر وهو لا يعلم فإذا فيه إنسان يقرأ سورة تبارك الذي بيده الملك حتى ختمها فأتى النبيّ - ﷺ - فقال يا رسول اللّه ضربت خبائي على قبر وأنا لا أحسب أنه قبر فإذا فيه إنسان يقرأ تبارك حتى ختمها، فقال رسول اللّه - ﷺ - : هي المانعة هي المنجية تنجيه من عذاب القبر» «٢». (١)
سورة الملك، أو : تبارك مكيّة، وهي ثلاثون آية.
تسميتها : سميت سورة الملك لافتتاحها بتقديس وتعظيم اللّه نفسه الذي بيده الملك - ملك السموات والأرض، وله وحده مطلق السلطان، والتصرف في الأكوان كيفما يشاء، يحيي ويميت، ويعز ويذل، ويغني ويفقر، ويعطي ويمنع. وتسمى السورة أيضا «الواقية» و«المنجية» لأنها تقي وتنجي من عذاب القبر وتشفع لصاحبها كما سأبيّن. وكان ابن عباس يسميها «المجادلة» لأنها تجادل عن قارئها في القبر.
مناسبتها لما قبلها :
وجه تعلق هذه السورة بما قبلها من وجهين :
١ - وجه عام : وهو أن هذه السورة تؤكد مضمون السورة السابقة في جملتها، فالسورة المتقدمة تبيّن مدى قدرة اللّه وهيمنته وتأييده لرسوله محمد - ﷺ - في مواجهة احتمال ظهور تآمر امرأتين ضعيفتين من نسائه عليه، وهذه السورة توضح بصيغة عامة أن بيد اللّه ملك السموات والأرض ومن فيهن، وأنه القدير على كل شيء. وجه خاص : وهو أنه تعالى ذكر في أواخر «التحريم» مثالين فريدين متمثلين بامرأتي نوح ولوط للكافرين، وبامرأة فرعون المؤمنة، ومريم العذراء البتول للمؤمنين، وهذه السورة تدل على إحاطة علم اللّه تعالى وتدبيره وإظهاره في خلقه ما يشاء من العجائب والغرائب، فإن كفر امرأتي نوح ولوط لم يمنع اتصالهما بنبيين كريمين، وإيمان امرأة فرعون، لم يضر به اتصالها بفرعون الطاغية الجبار العنيد، كما لم يزعزع إيمان مريم حملها غير المعهود بعيسى عليه السلام.
ما اشتملت عليه السورة :

(١) - التفسير الحديث لدروزة- موافق للمطبوع - (٥ / ٣٧٣)


الصفحة التالية