٢٩] وقال: ﴿قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ﴾ [الاحقاف: ٣٠].
وافتتاح السورة بهذا اللفظ ترويع للمشركين. (١)
مناسبتها لما قبلها
كان ختام سورة « القلم » دعوة من اللّه سبحانه وتعالى، إلى النبي الكريم أن يصبر على موقفه من قومه، وألا يتحول عنه، كما تحول صاحب الحوت، وإن لقى من قومه أشدّ العداوة، والشنآن، وأن يمضى فى طريقه معهم منتظرا حكم اللّه بينه وبينهم، كما حكم اللّه بين إخوانه النبيين وأقوامهم.. وتجىء سورة « الحاقة » مفتتحة بهذه المعارض التي يتجلى فيها ما حكم اللّه سبحانه به بين بعض أنبيائه وأقوامهم، وما لقى المكذبون المعاندون منهم من مرسلات الهلاك عليهم فى الدنيا، التي أخذتهم مرة واحدة، فما أبقت منهم باقية.. (٢)
مقدمة وتمهيد
١ - سورة « الحاقة » من السور المكية الخالصة، وكان نزولها بعد سورة « الملك » وقبل سورة « المعارج »، وعدد آياتها إحدى وخمسون آية، وعند بعضهم اثنتان وخمسون آية.
قال الآلوسى :« ويدل على مكيتها ما أخرجه الإمام أحمد عن عمر بن الخطاب قال :
« خرجت أتعرض لرسول اللّه - ﷺ - قبل أن أسلم، فوجدته قد سبقني إلى المسجد، فوقفت خلفه، فاستفتح بسورة (الحاقة)، فجعلت أعجب من تأليف القرآن، فقلت - أى في نفسي - : هذا واللّه شاعر، فقرأ وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلًا ما تُؤْمِنُونَ فقلت : كاهن، فقرأ وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ. تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ إلى آخر السورة. فوقع الإسلام في قلبي كل موقع »
« ١ ».
وعلى هذا الحديث يكون نزولها في السنة الرابعة أو الخامسة من البعثة لأن إسلام عمر - رضى اللّه عنه - كان - تقريبا - في ذلك الوقت.
٢ - والسورة الكريمة زاخرة بالحديث عن أهوال يوم القيامة، وعن مصارع المكذبين، وعن أحوال أصحاب اليمين وأصحاب الشمال، وعن إقامة الأدلة المتعددة على أن هذا القرآن من عند اللّه - تعالى - وعلى أن الرسول - ﷺ - صادق فيما يبلغه عن ربه - عز وجل -.

(١) - التحرير والتنوير لابن عاشور - (٢٩ / ١٠٢)
(٢) - التفسير القرآني للقرآن ـ موافقا للمطبوع - (١٥ / ١١٢٢)


الصفحة التالية
Icon