وتمتاز هذه السورة بقصر آياتها، وبرهبة وقعها على النفوس، إذ كل قارئ لها بتدبر وتفكر، يحس عند قراءتها بالهول القاصم، وبالجد الصارم، وببيان أن هذا الدين حق لا يشوبه باطل. وأن ما أخبر به الرسول - ﷺ - صدق لا يحوم حوله كذب.
نرى ذلك كله في اسمها، وفي حديثها عن مصارع الغابرين، وعن مشاهد يوم القيامة التي يشيب لها الولدان. (١)
في السورة إنذار للكفار بعذاب اللّه. وتذكير بما حلّ بأمثالهم الأولين.
ووصف لهول يوم القيامة. ومصائر المؤمنين والكفّار فيه. وتوكيد قوي بصحة صلة النبي - ﷺ - بالوحي الرباني وصدور القرآن عنه. ونفي الافتراء والشعر والكهانة عنه.
وآياتها متوازنة مقفاة ومترابطة مما يسوّغ القول إنها نزلت دفعة واحدة. (٢)
سورة الحاقة مكيّة، وهي اثنتان وخمسون آية.
تسميتها : سميت سورة الحاقة لافتتاحها بالاستفهام عنها، تفخيما لشأنها وتعظيما لهولها، والْحَاقَّةُ اسم من أسماء يوم القيامة لأن فيها يتحقق الوعد والوعيد، ولهذا عظم اللّه أمرها بالسؤال عنها، أو هي الساعة الواجبة الوقوع، الثابتة المجيء، التي هي آتية لا ريب فيها.
مناسبتها لما قبلها :
تتعلق السورة بما قبلها من وجهين :
١ - وقع في سورة (ن) ذكر يوم القيامة مجملا، في قوله تعالى : يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ [٤٢] وفي هذه السورة أوضح تعالى نبأ هذا اليوم وشأنه العظيم : الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ، وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ.
٢ - هدد اللّه تعالى في السورة السابقة كل من كذب بالقرآن وتوعده بقوله :
فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ.. [٤٤] وفي هذه السورة ذكر أحوال الأمم التي كذبت الرسل وما عوقبوا به، للعظة والزجر والعبرة للمعاصرين.
ما اشتملت عليه السورة :
هذه السورة كغيرها من السور المكية التي عنيت بأصول العقيدة، وتحدثت عن أهوال القيامة، وصدق الوحي، وكون القرآن كلام اللّه، وتبرئة الرسول - ﷺ - من افتراءات الكفار واتهامات الضالين.

(١) - التفسير الوسيط للقرآن الكريم-موافق للمطبوع - (١٥ / ٦٥)
(٢) - التفسير الحديث لدروزة- موافق للمطبوع - (٥ / ٣٨٤)


الصفحة التالية
Icon