[البقرة : ٢] ولما افتتح سبحانه الفاتحة بالأمر الظاهر وكان وراء كل ظاهر باطن افتتح هذه السورة بما بطن سره وخفي إلا على من شاء اللّه تعالى أمره. (١)
مدنيّة إلا آية ٢٨١ فنزلت بمنى في حجّة الوداع وآياتها مائتان وست وثمانون وهي أول سورة نزلت بالمدينة
ما اشتملت عليه السورة :
سورة البقرة أطول سورة في القرآن، وهي مدنية، قال عكرمة :«أول سورة أنزلت بالمدينة : سورة البقرة». وتعنى كغيرها من السور المدنية بالتشريع المنظم لحياة المسلمين في المجتمع الجديد بالمدينة، مجتمع الدين والدولة معا، فلا ينفصل أحدهما عن الآخر، وإنما هما متلازمان تلازم الجسد والروح، لذا كان التشريع المدني قائما على تأصيل العقيدة الإسلامية، ومبدؤها الإيمان باللّه، وبالغيب، وبأن مصدر القرآن هو اللّه عز وجل، والاعتقاد الجازم بما أنزل اللّه على رسوله وعلى الأنبياء السابقين، وبأن العمل الصالح ترجمان ذلك الإيمان، ويتمثل العمل بعقد صلة الإنسان مع ربه بواسطة الصلاة، وبتحقيق أصول التكافل الاجتماعي بواسطة الإنفاق في سبيل اللّه.
ويقتضي تقرير العقيدة التحدث عن صفات المؤمنين والكافرين والمنافقين، لعقد مقارنة بين أهل النجاة وبين أهل الدمار والهلاك. كما يقتضي التحدث عن قدرة اللّه عز وجل، ببدء الخليقة وتكريم آدم أبي البشر بسجود الملائكة له، وترتيب المولى ما حدث معه وزوجه في الجنة، ثم الهبوط إلى الأرض.
واستوجب التحذير الإلهي للمؤمنين التحدث في هذه السورة بما يزيد عن ثلثها عن جرائم بني إسرائيل، من الآية ٤٧ - ١٢٣، فهم كفروا بنعمة اللّه، ولم يقدّروا نجاتهم من فرعون، وعبدوا العجل، وطالبوا موسى عليه السّلام بطلبات على سبيل العناد والمكابرة والتحدي، وبالرغم من تحقيق مطالبهم المادية كفروا بآيات اللّه، وقتلوا الأنبياء بغير حق، ونقضوا العهود والمواثيق، فاستحقوا إنزال اللعنة وغضب اللّه عليهم، وجعلهم اللّه أذلاء منبوذين مطرودين من رحمته.
ثم انتقلت السورة من خطاب أهل الكتاب إلى خطاب أهل القرآن، بالتذكير بما هو مشترك بين قوم موسى وقوم محمد عليهما السلام من نسب إبراهيم والاتفاق على فضله، واستئصال كل مزاعم الخلاف على القبلة، وبيان الأساس الأعظم للدين وهو توحيد الألوهية، بتخصيص الخالق بالعبودية، وشكر الإله على ما أنعم به من إباحة الاستمتاع بطيبات الرزق وإباحة المحرّمات حال الضرورة، وبيان أصول البرّ في آية : لَيْسَ الْبِرَّ [في البقرة ٢/ ١٧٧].