إلا خمسين عاما، يغدو ويروح بينهم بدعوته، يعرضها عليهم فى كل معرض، ويلقاهم بها على كل وجه، فما استجابوا له.. ثم كانت عاقبتهم هذا العذاب الذي أخذهم اللّه به فى الدنيا، وإن لهم فى الآخرة لعذابا أشد وأنكى.. فالمناسبة بين السورتين قريبة، تجعل منهما سورة واحدة، لموقف واحد.. (١)
مقدمة وتمهيد
١ - سورة « نوح » - عليه السلام - من السور المكية الخالصة، وسميت بهذا الاسم لاشتمالها على دعوته - عليه السلام - وعلى مجادلته لقومه، وعلى موقفهم منه، وعلى دعائه عليهم.
وكان نزولها بعد سورة « النحل » وقبل سورة « إبراهيم ».
وعدد آياتها ثمان وعشرون آية في المصحف الكوفي. وتسع وعشرون في المصحف البصري والشامي، وثلاثون آية في المصحف المكي والمدني.
٢ - وهذه السورة الكريمة من أولها إلى آخرها، تحكى لنا ما قاله نوح لقومه، وما ردوا به عليه، كما تحكى تضرعه إلى ربه - عز وجل - وما سلكه مع قومه في دعوته لهم إلى الحق، تارة عن طريق الترغيب وتارة عن طريق الترهيب، وتارة عن طريق دعوتهم إلى التأمل والتفكر في نعم اللّه - تعالى - عليهم، وتارة عن طريق تذكيرهم بخلقهم.
كما تحكى أنه - عليه السلام - بعد أن مكث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما - دعا اللّه - تعالى - أن يستأصل شأفتهم. فقال : رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً. إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ، وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً. رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ، وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَباراً. (٢)
هذه السورة قاصرة على رسالة نوح عليه السلام لقومه ومناجاته لربّه بسبب جحود قومه ومواقفهم من رسالته. وهي شاذة بين السور المعقودة على أسماء الأنبياء التي احتوت إلى قصة النبي المعقودة باسمه قصص الأنبياء الأخرى وفصولا وعظية وتذكيرية أخرى موجهة إلى كفار العرب. وهي شاذة كذلك بالنسبة للفصول القصصية التي جاءت في سور أخرى في معرض التذكير والتنديد. ومع ذلك فإن أسلوبها متماثل مع أسلوب القصص القرآنية، وأهدافها متسقة مع أهداف هذه القصص. (٣)
سورة نوح عليه السلام مكيّة، وهي ثمان وعشرون آية.

(١) - التفسير القرآني للقرآن ـ موافقا للمطبوع - (١٥ / ١١٩٢)
(٢) - التفسير الوسيط للقرآن الكريم-موافق للمطبوع - (١٥ / ١٠٩)
(٣) - التفسير الحديث لدروزة- موافق للمطبوع - (٥ / ٢٠٧)


الصفحة التالية
Icon