[المزمل: ١-٢] فكتب عليهم بمنزلة الفريضة ومكثوا على ذلك ثمانية أشهر ثم وضع الله ذلك عنهم، فأنزل ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَي اللَّيْلِ﴾ إلى ﴿فَتَابَ عَلَيْكُمْ﴾ [المزمل: ٢٠]، فردهم إلى الفريضة ووضع عنهم النافلة. وهذا ما رواه الطبري بسندين إلى أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة، وهو يقتضي أن السورة كلها مدنية لأن النبي - ﷺ - لم يبن بعائشة إلا في المدينة، ولأن قولها فخرج مغضبا يقتضي أنه خرج من بيته المفضي إلى مسجده، ويؤيده أخبار ثبت قيام الليل في مسجده.
ولعل سبب هذا الاضطراب اختلاط في الرواية بين فرض قيام الليل وبين الترغيب فيه.
ونسب القرطبي إلى تفسير الثعلبي قال: قال النخعي في قوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ﴾ كان النبي - ﷺ - متزملا بقطيفة عائشة، وهي مرط نصفه عليها وهي نائمة ونصفه على النبي - ﷺ - وهو يصلي اه، وإنما بنى النبي - ﷺ - بعائشة في المدينة، فالذي نعتمد عليه أن أول السورة نزل بمكة لا محلة كما سنبينه عند قوله تعالى: ﴿إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً﴾ [المزمل: ٥]، وأن قوله: ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ﴾ إلى آخر السورة نزل بالمدينة بعد سنين من نزول أول السورة لأن فيه ناسخا لوجوب قيام الليل وإنه ناسخ لوجوب قيام الليل عن النبي - ﷺ - وأن ما رووه عن عائشة أن أول ما فرض قيام الليل قبل فرض الصلاة غريب.
وحكى القرطبي عن الماوردي: أن ابن عباس وقتادة قالا: إن آيتين وهما ﴿وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ﴾ إلى قوله: ﴿وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً﴾ [المزمل: ١١] نزلتا بالمدينة.
واختلف في عد هذه السورة في ترتيب نزول السور، والأصح التي تضافرت عليه الأخبار الصحيحة: أن أول ما نزل سورة العلق واختلف فيما نزل بعد سورة العلق، فقيل: سورة ن والقلم، وقيل نزل بعد العلق سورة المدثر، ويظهر أنه الأرجح ثم قيل نزلت سورة المزمل بعد القلم فتكون ثالثة. وهذا قول جابر بن زيد في تعداد نزول السور، وعلى القول بأن المدثر هي الثانية. يحتمل أن تكون القلم ثالثة والمزمل رابعة، ويحتمل أن تكون المزمل هي الثالثة والقلم رابعة، والجمهور على أن المدثر نزلت قبل المزمل، وهو ظاهر حديث عروة بن الزبير عن عائشة في بدء الوحي من صحيح البخاري وسيأتي عند قوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ﴾.
والأصح أن سبب نزول ﴿يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ﴾ ما في حديث جابر بن عبد الله الآتي عند قوله تعالى: ﴿يا أيها المزمل﴾ الآية.
وعدت آيها في عد أهل المدينة ثمان عشرة آية، وفي عد أهل البصرة تسع عشرة وفي عد من عداهم عشرون.
أغراضها
الإشعار بملاطفة الله تعالى رسوله - ﷺ - بندائه بوصفه بصفة تزمله.


الصفحة التالية
Icon