في السورة نداء للنبي - ﷺ - للقيام بالليل وتلاوة القرآن والاستعداد لما يوحى إليه، وتثبيت له إزاء مواقف الزعماء والأغنياء المكذبين، وحمله عليهم. وإشارة إلى موقف فرعون من رسالة موسى عليه السلام ونكال اللّه به على سبيل الإنذار والتذكير، وتخفيف من شدة قيام الليل وتهجده. والآية الأخيرة التي فيها هذا التخفيف مدنية وقد ألحقت بالسورة لمناسبة ما جاء في أولها. وترتيبها كثالث سورة نزولا بسبب رواية نزول آياتها التسع الأولى لحدتها كثالث مجموعة نزولا، غير أن هذه الرواية وترتيب السور بسببها موضع نظر على ما يرد شرحه بعد. ولقد تكرر بدء مطالع السور بنداء النبي - ﷺ - مما يصح أن يقال إنه أسلوب من أساليب النظم القرآني في مطالع السور وشخصياتها. (١)
سورة المزمل مكيّة، وهي عشرون آية.
تسميتها : سميت سورة المزمّل أي المتلفف بثيابه لأنها تتحدث عن النبي - ﷺ - في بدء الوحي، ولأنها بدئت بأمر اللّه سبحانه رسوله - ﷺ - أن يترك التزمل : وهو التغطي في الليل، وينهض إلى تبليغ رسالة ربه عز وجل.
مناسبتها لما قبلها :
يظهر تعلق السورة بما قبلها من وجهين :
١ - ختمت سورة الجن ببيان تبليغ الرسل رسالات ربهم، وافتتحت هذه السورة بأمر خاتمهم بالتبليغ والإنذار، وهجر الراحة في الليالي.
٢ - أخبر اللّه تعالى في السورة المتقدمة عن ردود فعل دعوة النبي - ﷺ - بين قومه والجن في قوله : وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ وقوله : وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ ثم أمره اللّه تعالى في مطلع هذه السورة بالدعوة في قوله : يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ، قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا.
ما اشتملت عليه السورة :
تتناول السورة الإرشادات الإلهية الموجهة للنبي - ﷺ - في مسيرته أثناء تبليغ دعوته، وتهديد المشركين المعرضين عن قبول تلك الدعوة.
وقد ابتدأت بأمره - ﷺ - بقيام الليل إلا قليلا منه، وبترتيل القرآن لتقوية روحه : يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا، نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا، أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا [١ - ٤] فكان ذلك بيانا لمقدار ما يقوم به في تهجده الذي أمره اللّه به بقوله : وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ، عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً [الإسراء ١٧/ ٧٩].

(١) - التفسير الحديث لدروزة- موافق للمطبوع - (١ / ٤٠٥)


الصفحة التالية
Icon