ولهذا أطلقوا عنان أهوائهم، وأسلموا زمامهم للشيطان، يعيشون كما تعيش السائمة.. واللّه سبحانه وتعالى يقول :« وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ » (١٢ : محمد).
ولو كان هؤلاء المشركون يؤمنون بالآخرة، ويتصورون إمكان الحياة، بعد الموت، لكان لهم نظرة إلى ما بعد هذه الحياة الدنيا، ولعملوا حسابا ليوم يلقون فيه ربهم، ويجزون فيه على أعمالهم. وقد جاءت سورة القيامة، تعرض وقوع هذا اليوم، يوم القيامة، فى صورة واقع مشهود، له ذاتية معترف بها، فيقسم به اللّه سبحانه وتعالى، كما يقسم بالشمس، والقمر، والليل، والضحى، والعصر.. وغير ذلك من آياته المشهودة للعالمين. (١)
مقدمة وتمهيد
١ - سورة « القيامة » من السور المكية الخالصة، وتعتبر من السور التي كان نزولها في أوائل العهد المكي، فهي السورة الحادية والثلاثون في ترتيب النزول، وكان نزولها بعد سورة (القارعة) وقبل سورة (الهمزة). أما ترتيبها في المصحف فهي السورة الخامسة والسبعون. وعدد آياتها أربعون آية في المصحف الكوفي، وتسع وثلاثون في غيره.
٢ - والسورة الكريمة زاخرة بالحديث عن أهوال يوم القيامة، وعن أحوال الناس فيه : وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ. إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ. وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ. تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ.
كما أنها تتحدث عن إمكانية البعث، وعن حتمية وقوعه : أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً. أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى. ثُمَّ كانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى. فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى. أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى ؟. (٢)
في السورة توكيد لمجيء يوم القيامة وبرهنة على قدرة اللّه على بعث الناس.
وتنبيه لهم بأن أعمالهم محصاة. وبيان لمصائرهم حسب سلوكهم. وتنديد باستغراق من يستغرق في الحياة ويهمل واجباته نحو اللّه والناس. وفيها آيات تتصل بظروف الوحي القرآني وتحتوي دلالة خطيرة في سوره. وأسلوب آياتها يمكن أن يعتبر عرضا عاما وإنذارا وتبشيرا وتنديدا عاما أيضا. (٣)
سورة القيامة مكيّة، وهي أربعون آية :
تسميتها : سميت سورة القيامة لافتتاحها بالقسم الإلهي بها، لتعظيمها، وإثبات حدوثها والرد على منكريها.

(١) - التفسير القرآني للقرآن ـ موافقا للمطبوع - (١٥ / ١٣١١)
(٢) - التفسير الوسيط للقرآن الكريم-موافق للمطبوع - (١٥ / ١٩٥)
(٣) - التفسير الحديث لدروزة- موافق للمطبوع - (٢ / ١٨٨)


الصفحة التالية
Icon