في السورة تقرير وتذكير بخلق الإنسان بعد العدم ومنحه العقل والاختيار لاختباره. وإنذار للكفار وتنويه بالمؤمنين وبيان مصير كلّ منهم في الآخرة مع وصف رائع لمصير المؤمنين. وتلقين بتقوى اللّه والرأفة بالبؤساء. وتثبيت للنبي - ﷺ - وتهوين لموقف الكفار منهم ونعي عليهم لمحبتهم الدنيا وإهمالهم الأخرى.
وهذه السورة من المختلف في مكيتها ومدنيتها أيضا غير أن الطابع المكي قوي البروز عليها. ومعظم المفسّرين يروون مكيتها «١». ولقد ذكر في عدد من تراتيب النزول المرويّة أنها نزلت بعد سورة الرحمن «٢». ولعلّ في ذلك قرينة على مكيتها أيضا وفي بعض آياتها قرائن بل دلائل قوية على مكيتها كذلك. وللسورة اسم آخر هو الدهر اقتباسا من كلمة الدهر التي جاءت في آياتها الأولى. (١)
سورة الإنسان، أو : الدّهر مدنيّة وهي إحدى وثلاثون آية.
تسميتها : سميت سورة الإنسان لافتتاحها بالتنويه بخلق الإنسان وإيجاده، بعد أن لم يكن شيئا موجودا، ثم صار خليفة في الأرض، وخلق له جميع ما في الأرض من خيرات ومعادن وكنوز.
مناسبتها لما قبلها :
تتعلق السورة بما قبلها من وجوه ثلاثة :
١ - ذكر اللّه تعالى في آخر السورة السابقة مبدأ خلق الإنسان من نطفة، ثم جعل منه الصنفين : الرجل والمرأة، ثم ذكر في مطلع هذه السورة خلق آدم أبي البشر، وجعله سميعا بصيرا، ثم هدايته السبيل، وما ترتب عليه من انقسام البشر إلى نوعين : شاكر وكفور.
٢ - أجمل في السورة المتقدمة وصف حال الجنة والنار، ثم فصل أوصافهما في هذه السورة، وأطنب في وصف الجنة.
٣ - ذكر سبحانه في السورة السابقة الأهوال التي يلقاها الفجار في يوم القيامة، وذكر في هذه السورة ما يلقاه الأبرار من النعيم.
ما اشتملت عليه السورة :
بالرغم من كون هذه السورة مدنية في قول الجمهور، فإنها عنيت بالحديث عن أحوال الآخرة، ولا سيما تنعم الأبرار في دار الخلد والنعيم، أما من قال بأنها مكية فرأيه متفق مع موضوعها.
وقد افتتحت بالكلام عن مبدأ خلق الإنسان، وتزويده بطاقات السمع والبصر، وهدايته السبيل، ثم انقسامه إلى فئتين : شاكر وكفور، والإخبار عن جزاء الشاكرين والجاحدين ووصف الجنة والنار : هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ...[الآيات : ١ - ٦].