إن محور السور إثبات البعث بالأدلة المختلفة، لذا ابتدأت السورة بوصف تساؤل المشركين عنه، والإخبار عن يوم القيامة، وما يتبعه من البعث والنشور والجزاء، وأعقبته بتهديد المشركين على إنكارهم إياه : عَمَّ يَتَساءَلُونَ..
[١ - ٥].
ثم أقامت الأدلة والبراهين على إمكان البعث، بتعداد مظاهر قدرة اللّه على الخلق والإبداع وإيجاد مختلف عجائب الكون، مما يدل على إمكان إعادة الناس بعد الموت : أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً.. [٦ - ١٦].
ثم حددت السورة ميقات البعث وميعاده، وهو يوم الفصل بين الخلائق الذي يجمع فيه الأولون والآخرون : إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كانَ مِيقاتاً..[١٧ - ٢٠].
ثم وصفت ألوان عذاب الكافرين، وأنواع نعيم المتقين، بطريق المقابلة والموازنة، والجمع بين الترغيب والترهيب : إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً.. [٢١ - ٣٨].
وختمت السورة بالإخبار بأن هذا اليوم حق لا ريب فيه، وبإنذار الكفار بالعذاب الأليم القريب الذي يتمنون من شدته أن يعود ترابا.
والسورة كلها يشيع فيها جو التهويل والتخويف، والتهديد والإنذار، حتى لكأن التالي لها يكاد يلمس الصور الرهيبة لأحداث القيامة، ويتملكه الذعر والخوف من شدائدها وأحوالها. (١)
مقصودها الدلالة على أن يوم القيامة - الذي كانوا مجمعين على نفيه، وصاروا بعد بعث النبي - ﷺ - في خلاف فيه مع المؤمنين - ثابت ثباتاً لا يحتمل شكاً ولا خلافاً بوجه، لأن خالق الخلق مع أنه حكيم قادر على ما يريد دبرهم أحسن تدبير، بنى لهم مسكناً وأتقنه، وجعلهم على وجه يبقى به نوعهم من أنفسهم بحيث لا يحتاجون إلى أمر خارج يرونه، فكان ذلك أشد لإلفتهم وأعظم لأنس بعضهم ببعض، وجعل سقفهم وفراشهم كافلين لمنافعهم، والحكيم لا يترك عبيده - وهو تام القدرة كامل السلطان - يمرحون يبغي بعضهم على بعض ويأكلون خيره ويعبدون غيره بلا حساب، فكيف إذا كان حاكماً فكيف إذا كان أحكم الحاكمين، هذا ما لا يجوز في عقل ولا خطر ببال أصلاً، فالعلم واقع به قطعاً، وكل من اسميها واضح في ذلك بتأمل آيته ومبدأ ذكره وغايته ﴿بسم الله﴾ الحكيم العليم الذي له جميع صفات الكمال ﴿الرحمن﴾ الذي ساوى بين عباده في أصول النعم الظاهرة : الإيجاد والجاه والمال، وبيان الطريق الأقوام بالعقل الهادي والإنزال والإرسال ﴿الرحيم *﴾ الذي خص من شاء بإتمام تلك النعم فوفقهم لمحاسن الأعمال لما أخبر في المرسلات بتكذيبهم بيوم الفصل وحكم على أن لهم بذلك الويل المضاعف