المكرر، وختمها بأنهم إن كفروا بهذا القرآن لم يؤمنوا بعده بشيء، افتتح هذه بأن ما خالفوا فيه وكذبوا الرسول في أمره لا يقبل النزاع لما ظهر من بيان القرآن لحكمة الرحمن التي يختلف فيها اثنان مع الإعجاز في البيان، فقال معجباً منهم غاية العجب زاجراً لهم ومنكراً عليهم ومتوعداً لهم ومفخماً للأمر بصيغة الاستفهام منبهاً على أنه ينبغي أن لا يعقل خلافهم، ولا يعرف محل نزاعهم، فينبغي أن يسأل عنه كل أحد حتى العالم به إعلاماً بأن ما يختلفون فيه لوضوحه لا يصدق أن عاقلاً يخالف أمره فيه وأنه لا ينبغي التساؤل إلا عما هو خفي فقال :﴿عمَّ﴾ أي عن أي شيء - خفف لفظاً وكناية بالإدغام، وحذف ألفه لكثرة الدور والإشارة إلى أن هذا السؤال مما ينبغي أان يحذف، فإن لم يكن فيخفى ويستحى من ذكره ويخفف ﴿يتساءلون *﴾ أي أهل مكة لكل من يسأل عن شيء من القرآن سؤال شك وتوقف وتلدد فيما بينهم وبين الرسول - ﷺ - والمؤمنين رضي الله عنهم، ولشدة العجب سمي جدالهم وإنكارهم وعنادهم - إذا تليت عليهم آياته وجليت بيناته - مطلق سؤال. (١)
وتسمى سورة عم. وهي مكية، وعدد آياتها أربعون آية، وهذه السورة تكلمت على الب عث وإثباته، وبيان مظاهر قدرة اللّه، ثم تعرضت لمنكري البعث وبينت حالهم يوم القيامة : وحال المؤمنين به، على أن تهويل يوم القيامة وتفخيم شأنه، وتخويف الناس من عذابه من عناصر السورة المهمة التي ذكرت في ثنايا الكلام. (٢)
وتسمى سورة عم وعم يتساءلون والتساؤل والمعصرات وهي مكية بالاتفاق وآيها إحدى وأربعون في المكي والبصري وأربعون في غيرهما. ووجه مناسبتها لما قبلها اشتمالها على إثبات القدرة على البعث الذي دلّ ما قبل على تكذيب الكفرة به وفي تناسق الدرر وجه اتصالها بما قبل تناسبها معها في الجمل فإن في تلك أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ [المرسلات : ١٦] أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ [المرسلات : ٢٠] أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً [المرسلات : ٢٥] إلخ وفي هذه أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً [النبأ : ٦] إلخ مع اشتراكها والأربع قبلها في الاشتمال على وصف الجنة والنار وما وعد المدثر أيضا في سورة المرسلات لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ لِيَوْمِ الْفَصْلِ وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الْفَصْلِ [المرسلات : ١٣] وفي هذه إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كانَ مِيقاتاً [النبأ : ١٧] إلخ ففيها شرح يوم الفصل المجمل ذكره فيا قبلها ا ه. وقيل إنه تعالى لما ختم تلك بقوله سبحانه فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ [المرسلات : ٢٥] وكان المراد بالحديث فيه القرآن افتتح هذه بتهويل التساؤل عنه والاستهزاء به

(١) -نظم الدرر في تناسب الآيات والسور للبقاعي- العلمية - (٨ / ٤٤٥)
(٢) - التفسير الواضح ـ موافقا للمطبوع - (٣ / ٨٠٩)


الصفحة التالية
Icon