ويفرض عمر لأسامة بن زيد أكبر مما يفرض لعبد اللّه بن عمر. حتى إذا سأله عبد اللّه عن سر ذلك قال له :«يا بني. كان زيد - رضي اللّه عنه - أحب إلى رسول اللّه - ﷺ - من أبيك! وكان أسامة - رضي اللّه عنه - أحب إلى رسول اللّه - ﷺ - منك! فآثرت حب رسول اللّه - ﷺ - على حبي» « أخرجه الترمذي. ».. يقولها عمر وهو يعلم أن حب رسول اللّه - ﷺ - إنما كان مقوما بميزان السماء! ويرسل عمر عمارا ليحاسب خالد بن الوليد - القائد المظفر صاحب النسب العريق - فيلببه بردائه.. ويروى أنه أوثقه بشال عمامته حتى ينتهي من حسابه فتظهر براءته فيفك وثاقه ويعممه بيده.. وخالد لا يرى في هذا
كله بأسا. فإنما هو عمار صاحب رسول اللّه - ﷺ - السابق إلى الإسلام الذي قال عنه رسول اللّه - ﷺ - ما قال! وعمر هو الذي يقول عن أبي بكر - رضي اللّه عنهما - هو سيدنا وأعتق سيدنا. يعني بلالا. الذي كان مملوكا لأمية بن خلف. وكان يعذبه عذابا شديدا. حتى اشتراه منه أبو بكر وأعتقه.. وعنه يقول عمر بن الخطاب.. عن بلال.. سيدنا! وعمر هو الذي قال :«ولو كان سالم مولى أبي حذيفة حيا لاستخلفته» يقول هذا، وهو لم يستخلف عثمان ولا عليا، ولا طلحة ولا الزبير.. إنما جعل الشورى في الستة بعده ولم يستخلف أحدا بذاته! وعلي بن أبي طالب - كرم اللّه وجهه - يرسل عمارا والحسن بن علي - رضي اللّه عنهما - إلى أهل الكوفة يستنفرهم في الأمر الذي كان بينه وبين عائشة - رضي اللّه عنها - فيقول :«إني لأعلم أنها زوجة نبيكم - ﷺ - في الدنيا والآخرة، ولكن اللّه ابتلاكم لتتبعوه أو تتبعوها» « أخرجه البخاري.».. فيسمع له الناس في شأن عائشة أم المؤمنين، وبنت الصديق أبي بكر - رضي اللّه عنهم جميعا.
وبلال بن رباح يرجوه أخوه في الإسلام أبو رويحة الخثعمي أن يتوسط له في الزواج من قوم من أهل اليمن. فيقول لهم :«أنا بلال بن رباح، وهذا أخي أبو رويحة، وهو امرؤ سوء في الخلق والدين. فإن شئتم أن تزوجوه فزوجوه، وإن شئتم أن تدعوا فدعوا».. فلا يدلس عليهم، ولا يخفي من أمر أخيه شيئا، ولا يذكر أنه وسيط وينسى أنه مسؤول أمام اللّه فيما يقول.. فيطمئن القوم إلى هذا الصدق.. ويزوجون أخاه، وحسبهم - وهو العربي ذو النسب - أن يكون بلال المولى الحبشي وسيطه! واستقرت تلك الحقيقة الكبيرة في المجتمع الإسلامي، وظلت مستقرة بعد ذلك آمادا طويلة على الرغم من عوامل الانتكاس الكثيرة. «وقد كان عبد اللّه بن عباس يذكر ويذكر معه مولاه عكرمة. وكان عبد اللّه ابن عمر يذكر ويذكر معه مولاه نافع. وأنس بن مالك ومعه مولاه ابن سيرين. وأبو هريرة ومعه مولاه عبد الرحمن بن هرمز. وفي البصرة كان الحسن البصري. وفي مكة كان مجاهد بن جبر، وعطاء بن رباح، وطاووس بن كيسان هم الفقهاء. وفي مصر تولى الفتيا يزيد بن أبي حبيب في أيام عمر بن عبد العزيز وهو مولى أسود من دنقلة»..