ومعظم روايات ترتيب النزول تذكر أنها من السور المتأخرة في النزول كذلك، ومنها ما يتّفق مع المصحف بأنها الآخر نزولا. غير أن مضمونها وأسلوبها يثيران في النفس شكا في ذلك ويسوغان الظنّ بأنها من السور المبكرة في النزول. مثل السور القصيرة المسجّعة. (١)
سورة المطففين مكيّة، وهي ست وثلاثون آية.
تسميتها : سميت سورة (المطففين)، لافتتاحها بقوله تعالى : وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ وهم الذين يبخسون المكيال والميزان إما بالازدياد إن اقتضوا من الناس، وإما بالنقصان إن قضوهم أو وزنوا أو كالوا لهم.
مناسبتها لما قبلها :
تتعلق هذه السورة بما قبلها من وجوه أربعة :
١ - قال اللّه تعالى في آخر السورة المتقدمة واصفا يوم القيامة : يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً، وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ وذلك يقتضي تهديدا عظيما للعصاة، فلهذا أتبعه هنا بقوله : وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ والمراد : الزجر عن التطفيف : والبخس في المكيال والميزان بالشيء القليل على سبيل الخفية. أما الكثير فيظهر، فيمنع منه.
٢ - في كل من السورتين توضيح أحوال يوم القيامة.
٣ - ذكر اللّه تعالى في السورة السابقة : وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ، كِراماً كاتِبِينَ [١٠ - ١١] وذكر هنا ما يكتبه الحافظون : كِتابٌ مَرْقُومٌ [٢٠] يجعل في عليين، أو في سجين.
٤ - ذكر اللّه تعالى تصنيف الناس إلى فريقين : أبرار وفجار في كل من السورتين، وذكر مآل كل فريق، إما إلى الجنة، وإما إلى النار. قال أبو حيان : لما ذكر تعالى السعداء والأشقياء ويوم الجزاء وعظم شأن يومه، ذكر ما أعد لبعض العصاة، وذكّرهم بأخس ما يقع من المعصية، وهي التطفيف الذي لا يكاد يجدي شيئا في تثمير المال وتنميته «١».
ما اشتملت عليه السورة :
عنيت هذه السورة كسائر السور المكية بأمور العقيدة، وعلى التخصيص أحوال يوم القيامة وأهوالها، وعنيت بأمور الأخلاق الاجتماعية، وهي هنا تطفيف الكيل والميزان.
بدأت السورة بمطلع مخيف، وهو وعيد المطففين بالعذاب الشديد : وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ.. [الآيات ١ - ٦].
ثم أبانت أن كتاب الفجار الأشقياء في ديوان الشر، وفي كتاب مرقوم بعلامة، وأن مصيرهم أسفل السافلين في نار جهنم : كَلَّا، إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ.. [الآيات ٧ - ١٧].