أبرزت هذه السورة المكية جانبا مهما من جوانب العقيدة وهو التضحية في سبيل الإيمان والاعتقاد، ممثلا في قصة (أصحاب الأخدود).
افتتحت السورة الكريمة بالقسم بالسماء ذات منازل الكواكب، وبيوم القيامة، وبالأنبياء الذين يشهدون على أممهم، على إهلاك وتدمير وإبادة المجرمين، الذين أحرقوا جماعة من المؤمنين والمؤمنات في النار ليفتنوهم عن دينهم : وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ... [الآيات : ١ - ٩].
وأعقبت ذلك بوعيد هؤلاء العتاة الطغاة، وإنذارهم بعذاب جهنم، وبوعد المؤمنين بالجنان. إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ... [الآيتان : ١٠ - ١١].
وختمت السورة بإظهار عظمة اللّه وجليل صفاته وقدرته على الانتقام من أعدائه، والاتعاظ بقصة الطاغية فرعون الجبار : إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ...[الآيات : ١٢ - ٢٢]. (١)
وهي مكية. وعدد آياتها اثنتان وعشرون آية، وهذه السورة جاءت تسلية للنبي - ﷺ - وللمؤمنين وتشجيعا لهم على تحملهم أذى قومهم، ثم ضربت لهم الأمثال بأصحاب الأخدود، وفرعون وثمود. وتخلل ذلك ما به تقر نفوس المؤمنين ببيان نهاية الكفار، ونهاية المؤمنين، على أنها لم تغفل ذكر القرآن في نهايتها. (٢)
لا خلاف في مكيتها ولا في كونها اثنتين وعشرين آية، ووجه مناسبتها لما قبلها باشتمالها كالتي قبل على وعد المؤمنين ووعيد الكافرين مع التنويه بشأن القرآن وفخامة قدره. وفي البحر أنه سبحانه لما ذكر أنه جل وعلا أعلم بما يجمعون لرسول اللّه - ﷺ - والمؤمنين من المكر والخداع وإيذاء من أسلم بأنواع من الأذى كالضرب والقتل والصلب والحرق بالشمس وإحماء الصخر ووضع أجساد من يريدون أن يفتنوه عليه، ذكر سبحانه أن هذه الشنشنة كانت فيمن تقدم من الأمم فكانوا يعذبون بالنار وأن المعذبين كان لهم من الثبات في الإيمان ما منعهم أن يرجعوا عن دينهم وأن الذين عذبوهم ملعونون فكذلك الذين عذبوا المؤمنين من كفار قريش فهذه السورة عظة لقريش وتثبيت لمن يعذبونه من المؤمنين انتهى وهو وجه وجيه. (٣)
* هذه السورة الكريمة من السور المكية، وهي تعرض لحقائق العقيدة الإسلامية، والمحور الذي تدور عليه السورة الكريمة هي حادثة (أصحاب الأخدود) وهي قصة التضحية بالنفس، في سبيل العقيدة والإيمان
* ابتدأت السورة الكريمة بالقسم بالسماء ذات النجوم الهائلة، ومداراتها الضخمة، التي تدور فيها تلك الأفلاك، وباليوم العظيم المشهود وهو " يوم القيامة "، وبالرسل والخلائق، على هلاك ودمار المجرمين،
(٢) - التفسير الواضح ـ موافقا للمطبوع - (٣ / ٨٤٦)
(٣) - روح المعانى ـ نسخة محققة - (١٥ / ٢٩٤)