سورة « الفجر » ـ يرى فى أوضح صورة فى إنسان هذا البلد، وهو مكة، البلد الحرام الذي رفع اللّه قدره، وجعله حرما آمنا، يجبى إليه ثمرات كل شىء، وجعله موضعا لأول بيت يعبد فيه على هذه الأرض ـ هذا الإنسان الذي يعيش فى هذا البلد الأمين، كان جديرا به أن يكون أعرف الناس بربه، وأرضاهم لحكمه، ولكنه لم يرع حرمة هذا البلد، فلم يكرم اليتيم، ولم يحض على طعام المسكين، وأكل التراث أكلا لما، وأحب المال حبا جمّا، أعماه عن طريق الحق، وأضله عن سبيل الرشاد.. فهل هو بعد هذه النّذر عائد إلى ربه، داخل فى عباده ؟ ذلك ما ستكشف عنه الأيام منه، مع دعوة الحق التي يحملها رسول اللّه إليه.. فالمناسبة بين السورتين قريبة دانية. (١)
مقدمة وتمهيد
١ - سورة « البلد » وتسمى سورة « لا أقسم » من السور المكية الخالصة، وعلى ذلك سار المحققون من المفسرين.
قال القرطبي : سورة « البلد » مكية باتفاق.. « ١ ».
وقال الآلوسى : مكية في قول الجمهور بتمامها، وقيل : مدنية بتمامها. وقيل : مدنية إلا أربع آيات من أولها. واعترض كلا القولين بأنه يأباهما قوله بِهذَا الْبَلَدِ - إذ المقصود بهذا البلد مكة -، ولقوة الاعتراض ادعى الزمخشري الإجماع على مكيتها.. « ٢ ».
والذي تطمئن إليه النفس، أن هذه السورة من السور المكية الخالصة، ولا يوجد دليل يعتمد عليه يخالف ذلك.
قال الشوكانى : سورة « البلد »، ويقال لها سورة « لا أقسم » وهي عشرون آية. وهي مكية بلا خلاف. وأخرج ابن الضريس والنحاس وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس قال : نزلت سورة « لا أقسم » بمكة. وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير مثله.
٢ - وهي السورة الخامسة والثلاثون في ترتيب نزول السور، فقد كان نزولها بعد سورة « ق »، وقبل سورة « الطارق »، أما ترتيبها في المصحف فهي السورة التسعون.
ومن مقاصدها : التنويه بشأن مكة، لشرفها وحرمتها ووجود البيت المعظم بها، وتعداد نعم اللّه - تعالى - على الإنسان حتى يرجع عن عصيانه وغروره، ويخلص العبادة لخالقه، وبيان حسن عاقبة الأخيار، وسوء عاقبة الأشرار.. (٢)

(١) - التفسير القرآني للقرآن ـ موافقا للمطبوع - (١٥ / ١٥٦٤)
(٢) - التفسير الوسيط للقرآن الكريم-موافق للمطبوع - (١٥ / ٣٩٧)


الصفحة التالية
Icon