مُنْذِرِينَ، فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ، أَمْراً مِنْ عِنْدِنا، إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ، رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [١ - ٦].
وأما قوله تعالى في سورة البقرة : شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ، وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ [١٨٥] فمعناه أنه ابتدأ نزول القرآن في شهر رمضان المبارك.
وأما آية الأنفال :.. وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ [٤١] فلا تعني تحديد موعد نزول القرآن، وإنما تذكّر المؤمنين بما أنزل على محمد - ﷺ - يوم بدر في السابع عشر من رمضان من الآيات المتعلقة بأحكام القتال، والملائكة، والنصر. وسمي يوم بدر يوم الفرقان لأنه فرق فيه بين الحق والباطل. (١)
وهي مكية على الصحيح، وآياتها خمس آيات، وفيها تكلم عن بدء نزول القرآن، وأنه نزل ليلة القدر، التي تنزل فيها الملائكة والروح بكل أمر من اللّه، وهي سلام من كل سوء. (٢)
وجه مناسبتها قبلها أنها كالتعليل للأمر بقراءة القرآن المتقدم فيه كأنه قيل : اقرأ القرآن لأن قدره عظيم وشأنه فخيم. وقال الخطابي : المراد بالكتابة في قوله تعالى فيها إِنَّا أَنْزَلْناهُ الإشارة إلى قوله تعالى اقْرَأْ [العلق : ١] ولذا وضعت بعد وارتضاه القاضي أبو بكر بن العربي وقال : هذا بديع جدا والظاهر أنه أراد أن الضمير المنصوب. في ذاك لاقرأ إلخ على ما ستسمعه إن شاء اللّه تعالى. وكونه أراد أنه للمقروء المفهوم من اقرأ فيكون في معنى رجوعه للقرآن خلاف الظاهر فلا تغفل. (٣)
سورة القدر مكية، وقد تحدثت عن بدء نزول القرآن العظيم، وعن فضل ليلة القدر، على سأئر الأيام والشهور، لا فيها من الأنوار والتجليات القدسية، والنفحات الربانية، التي يفيضها الباري جل وعلا على عباده المؤمنين، تكريما لنزول القران المبين، كما تحدثت عن نزول الملائكة الأبرار حتى طلوع الفجر، فيا لها من ليلتة عظيمة القدر، هي خير عند الها من ألف شهر. (٤)
مقصودها تفصيل الأمر الذي هو أحد قسمي ما ضمنه مقصود " اقرأ " وعلى ذلك دل اسمها لأن الليلة فضلت به، فهو من إطلاق المسبب على السبب، وهو دليل لمن يقول باعتبار تفضيل الأوقات لأجل ما كان فيها، كما قال ذلك اليهودي في اليوم الذي نزل فيه قوله تعالى ) اليوم أكملت لكم دينكم ) [
(٢) - التفسير الواضح ـ موافقا للمطبوع - (٣ / ٨٨٦)
(٣) - روح المعانى ـ نسخة محققة - (١٥ / ٤١١)
(٤) - صفوة التفاسير ـ للصابونى - (٣ / ٥٠٩)