الإنسان الذي ألهاه التكاثر بالأموال، والتفاخر بالجاه والسلطان، دون أن يتزود للآخرة بزاد الإيمان والتقوى، هو هذا الإنسان الخاسر.. وأي خسران أكثر من أنه اشترى الدنيا بالآخرة ؟ وهذا ما جاءت سورة العصر لتقرره.. (١)
مقدمة وتمهيد
١ - سورة « العصر » وتسمى سورة « والعصر » من السور المكية عند جمهور المفسرين، وكان نزولها بعد سورة « الانشراح » وقبل سورة « العاديات » فهي السورة الثالثة عشرة في ترتيب النزول.
وقيل هي مدنية، والمعول عليه الأول، لأنه المنقول عن ابن عباس وابن الزبير وغيرهما، وعدد آياتها ثلاث آيات.
٢ - وقد اشتملت على بيان من هم أهل الخسران، ومن هم أهل السعادة.
قال الآلوسى : وهي على قصرها جمعت من العلوم ما جمعت، فقد روى عن الشافعى أنه قال : لو لم ينزل من القرآن غير هذه السورة لكفت الناس، لأنها شملت جميع علوم القرآن.
وأخرج الطبراني في الأوسط، والبيهقي في الشعب عن أبى حذيفة - وكانت له صحبة - أنه قال : كان الرجلان من أصحاب رسول اللّه - ﷺ - إذا التقيا لم يتفرقا، حتى يقرأ أحدهما على الآخر، سورة « والعصر » ثم يسلم أحدهما على الآخر... أى : عند المفارقة « ١ ». (٢)
احتوت السورة توكيدا حاسما بأن لا فلاح للإنسان إلّا بالإيمان والعمل الصالح والتواصي بالحق والصبر. وأسلوبها يدل على أنها من أوائل السور نزولا مثل الليل والأعلى وغيرهما، لأنها احتوت مبادئ عامة محكمة من مبادئ الدعوة. وقد ذكرت بعض الروايات «١» أنها مدنية، غير أن أسلوبها يدل على مكيتها وهو ما عليه الجمهور. (٣)
سورة العصر مكيّة، وهي ثلاث آيات.
تسميتها : سميت سورة العصر لقسم اللَّه به في مطلعها بقوله : وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ وَالْعَصْرِ : الدهر، لاشتماله على الأعاجيب، من سرّاء وضرّاء، وصحة وسقم، وغنى وفقر، وعز وذل، وانقسامه إلى أجزاء : سنة وشهر ويوم وساعة ودقيقة وثانية. مناسبتها لما قبلها :
(٢) - التفسير الوسيط للقرآن الكريم-موافق للمطبوع - (١٥ / ٤٩٩)
(٣) - التفسير الحديث لدروزة- موافق للمطبوع - (١ / ٥٦١)