وغيرهم عن أنس بن مالك قال : أغفى رسول اللّه - ﷺ - إغفاءة فرفع رأسه متبسما فقال :«إنه أنزل عليّ آنفا سورة» فقرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ حتى ختمها الحديث.
وفي أخبار سبب النزول ما يقتضي كلّا من القولين وستسمع بعضا منها إن شاء اللّه تعالى. ومن هنا استشكل أمرها وذكر الخفاجي أن لبعضهم تأليفا صحح فيه أنها نزلت مرتين وحينئذ فلا إشكال. وآيها ثلاث بلا خلاف وليس في القرآن كما أخرج البيهقي عن ابن شبرمة سورة آيها أقل من ذلك بل قد صرحوا بأنها أقصر سورة في القرآن. وقال الإمام : هي كالمقابلة للتي قبلها لأن السابقة وصف اللّه تعالى فيها المنافق بأربعة أمور البخل وترك الصلاة والرياء ومنع الزكاة فذكر عز وجل في هذه السورة في مقابلة البخل إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ [الكوثر : ١] أي الخير الكثير، وفي مقابلة ترك الصلاة فَصَلِّ [الكوثر : ٢] أي دم على الصلاة، وفي مقابلة الرياء لِرَبِّكَ [الكوثر : ٢] أي لرضاه لا للناس وفي مقابلة منع الماعون وَانْحَرْ [الكوثر : ٣] وأراد به سبحانه التصدق بلحوم الأضاحي. ثم قال : فاعتبر هذه المناسبة العجيبة انتهى فلا تغفل. (١)
* سورة الكوثر مكية، وقد تحدثت عن فضل الله العظيم على نبيه الكريم، بإعطائه الخير الكثير، والنعم العظيمة في الدنيا والآخرة، ومنها [ نهر الكوثر ] وغير ذلك من الخير العظيم العميم، وقد دعت الرسول إلى إدامة الصلاة، ونحر الهدي شكرا لله [ إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وإنحر ].
* وختمت السورة ببشارة الرسول ( - ﷺ - ) بخزي أعدائه، ووصفت مبغضيه بالذلة والحقارة، والإنقطاع من كل خير في الدنيا والآخرة، بينما ذكر الرسول مرفوع على المنائر والمنابر، واسمه الشريف على كل لسان، خالد إلى آخر الدهر والزمان [ إن شانئك هو الأبتر ] (٢).
مقصودها المنحة بكل خير يمكن أن يكون، واسمها الكوثر واضح في ذلك وكذا النحر لأنه معروف في نحر الإبل، وذلك غاية الكرم عند العرب (٣)
هذه السورة خالصة لرسول اللّه - ﷺ - كسورة الضحى، وسورة الشرح. يسري عنه ربه فيها، ويعده بالخير، ويوعد أعداءه بالبتر، ويوجهه إلى طريق الشكر.
ومن ثم فهي تمثل صورة من حياة الدعوة، وحياة الداعية في أول العهد بمكة. صورة من الكيد والأذى للنبي - ﷺ - ودعوة اللّه التي يبشر بها وصورة من رعاية اللّه المباشرة لعبده وللقلة المؤمنة معه ومن تثبيت اللّه وتطمينه وجميل وعده لنبيه ومرهوب وعيده لشانئه.

(١) - روح المعانى ـ نسخة محققة - (١٥ / ٤٧٨)
(٢) - صفوة التفاسير ـ للصابونى - (٣ / ٥٢٩)
(٣) - نظم الدرر ـ موافق للمطبوع - (٨ / ٥٤٧)


الصفحة التالية
Icon