جعلت لي علامة في أمتي إذا رأيتها قلتها إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ إلى آخر السورة» وعن أم سلمة قالت :«كان رسول اللّه في آخر أمره لا يقوم ولا يقعد ولا يذهب ولا يجيء إلا قال سبحان اللّه وبحمده فقلت يا رسول اللّه إنك تكثر من سبحان اللّه وبحمده. لا تذهب ولا تجيء ولا تقوم ولا تقعد إلا قلت سبحان اللّه وبحمده قال : إني أمرت بها فقال إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ إلى آخر السورة» والحديثان يؤيدان إذا صحّا كون السورة نزلت بين يدي موت رسول اللّه - ﷺ - فضلا عما انطوى فيهما من صورة رائعة لعمق شعوره بواجبه نحو اللّه تسبيحا وحمدا واستغفارا.
وبناء على ذلك كلّه رجحنا ترتيب المصحف الذي اعتمدناه وجعلنا ترتيب هذه السورة بعد سورة التوبة وآخر السور المدنيّة.
ونصّ السورة وروحها يؤيدان ذلك على ما سوف يأتي شرحه. أما القول إنها مكيّة فهو غريب ينقضه نصّها وروحها والروايات الكثيرة الأخرى التي أوردناها.
وما قلناه من أن السورة هي آخر السور نزولا لا يعني أن لا يكون نزل بعدها قرآن. وكل ما هناك أنه لم ينزل سور جديدة تامة. وأن ما يحتمل أن يكون من قرآن قد نزل بعدها قد ألحق بسور أخرى بأمر النبي - ﷺ - واللّه أعلم.
وترجيح كون هذه السورة آخر السور نزولا وترجيح كون سورة الفاتحة أولى السور نزولا يدعمان بعضهما ويلهمان معجزة قرآنية ربانية. ففي سورة الفاتحة براعة استهلال للدعوة الإسلامية والقرآن وفي سورة النصر هتاف رباني بما تمّ من نصر اللّه للدعوة الإسلامية. (١)
سورة النصر مدنيّة، وهي ثلاث آيات.
تسميتها : سميت سورة النصر لافتتاحها بقول اللَّه تبارك وتعالى : إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ أي الفتح الأكبر والنصر المؤزر الذي سمي فتح الفتوح وهو فتح مكة المكرمة. وتسمى أيضا سورة التوديع.
مناسبتها لما قبلها :
لما أخبر اللَّه تعالى في آخر السورة المتقدمة باختلاف دين الإسلام الذي يدعو إليه الرسول عن دين الكفار، أنبأه هنا بأن دينهم سيضمحل ويزول، ودينه سيعلو وينتصر وقت مجيء الفتح والنصر، حيث يصبح دين الأكثرين. وفي ذلك بيان فضل اللَّه تعالى على نبيه - ﷺ - بالنصر والفتح، وانتشار الإسلام، وإقبال الناس أفواجا إلى دينه : دين اللَّه، كما أن فيه إشارة إلى دنو أجله - ﷺ -.
ما اشتملت عليه السورة :

(١) - التفسير الحديث لدروزة- موافق للمطبوع - (٩ / ٥٧٣)


الصفحة التالية
Icon