هذه السورة المدنية بالإجماع تشير إلى فتح مكة، وانتصار النبي - ﷺ - على المشركين، وانتشار الإسلام في أرجاء الجزيرة العربية، وانحسار ظلمة الشرك والوثنية، والإخبار بدنو أجل النبي - ﷺ -، وأمره بتسبيح ربه وحمده واستغفاره. (١)
مدنية. وآياتها ثلاث آيات، وفيها البشارة للنبي وصحبه بنزول العون لهم ونصرة دينهم وفتح قلوب الناس لهذا الدين، ثم أمرهم بالتسبيح والتنزيه للّه - تعالى - على أنه سبب النجاح. (٢)
وتسمى سورة إذا جاء. وعن ابن مسعود أنها تسمى سورة التوديع لما فيها من الإيماء إلى وفاته عليه الصلاة والسلام وتوديعه الدنيا وما فيها. وجاء في عدة روايات عن ابن عباس وغيره أنه - ﷺ - قال حين نزلت :«نعيت إليّ نفسي»
وفي رواية للبيهقي عنه أنه لما نزلت دعا عليه الصلاة والسلام فاطمة رضي اللّه تعالى عنها وقال :«إنه قد نعيت إليّ نفسي» فبكت ثم ضحكت، فقيل لها فقالت : أخبرني أنه نعيت إليه بنفسه فبكيت، ثم أخبرني بأنك أول أهلي لحاقا بي فضحكت.
وقد فهم ذلك منها عمر رضي اللّه تعالى عنه وكان يفعل عليه الصلاة والسلام بعدها فعل مودع. وهي مدنية على القول الأصح في تعريف المدني، فقد أخرج الترمذي في مسنده والبيهقي من حديث موسى بن عبيدة وعبد اللّه بن دينار وصدقة بن بشار عن ابن عمر رضي اللّه تعالى عنهما أنه قال : هذه السورة نزلت على رسول اللّه - ﷺ - أوسط أيام التشريق بمنى وهو في حجة الوداع إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ [النصر : ١] حتى ختمها الخبر، وأخرجه أيضا ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وغيرهما، لكن قال الحافظ ابن رجب بعد أن أخرجه عن الأولين إن إسناده ضعيف جدا، وموسى بن عبيدة قال أحمد لا تحل الرواية عنه وعليه إن صح يكون نزولها قريبا جدا من زمان وفاته - ﷺ -، فإن ما بين حجة الوداع وإجابته عليه الصلاة والسلام داع الحق ثلاثة أشهر ونيف. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة أنه قال : واللّه ما عاش - ﷺ - بعد نزول إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ قليلا سنتين ثم توفي عليه الصلاة والسلام. وفي البحر إن نزولها عند منصرفه - ﷺ - من خيبر، وأنت تعلم أن غزوة خيبر كانت في سنة سبع أواخر المحرم فيكون ما في البين أكثر من سنتين ويدل على مدنيتها أيضا ما أخرجه مسلم وابن أبي شيبة وابن مردويه عن ابن عباس أنه قال : آخر سورة نزلت في القرآن جميعا إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وآيها ثلاث بالاتفاق، وفيها
(٢) - التفسير الواضح ـ موافقا للمطبوع - (٣ / ٩١٤)