إشارة إلى اضمحلال ملة الأصنام وظهور دين اللّه عز وجل على أتم وجه وهو وجه مناسبتها لما قبلها. ويحتمل غير ذلك وهي على ما
أخرج الترمذي وغيره من حديث أنس إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ربع القرآن ولم أظفر بوجه ذلك وسيأتي إن شاء اللّه تعالى ما يتعلق به. (١)
سورة النصر مدنية، هي تتحدث عن " فتح مكة " الذي عز به المسلمون، وإنتشر الإسلام في الجزيرة العربية، وتقلمت أظافر الشرك والضلال، وبهذا الفتح المبين، دخل الناس في دين الله، وإرتفعت راية الإسلام، وإضمحلت ملة الأصنام، وكان الإخبار بفتح مكة قبل وقوعه، من أظهر الدلائل على صدق نبوته، عليه أفضل الصلاة والسلام. (٢)
مقصودها الإعلام بتمام الدين اللازم عن مدلول اسمها النصر، اللازم عنه موت النبي ( - ﷺ - )، اللازم عنه العلم بأنه ما برز إلى عالم الكون والفساد إلا لإعلاء كلمة الله تعالى وإدحاض كلمة الشيطان - لعنة الله تعالى عليه - اللازم عنه أنه ( - ﷺ - ) خلاصة الوجود، وأعظم عبد للولي الودود، وعلى ذلك أيضا دل اسمها التوديع وحال نزولها وهو أيام التشريق من سنة حجة الوداعه (٣)
هذه السورة الصغيرة.. كما تحمل البشرى لرسول اللّه - ﷺ - بنصر اللّه والفتح ودخول الناس في دين اللّه أفواجا وكما توجهه - ﷺ - حين يتحقق نصر اللّه وفتحه واجتماع الناس على دينه إلى التوجه إلى ربه بالتسبيح والحمد والاستغفار..
كما تحمل إلى الرسول - ﷺ - البشرى والتوجيه.. تكشف في الوقت ذاته عن طبيعة هذه العقيدة وحقيقة هذا المنهج، ومدى ما يريد أن يبلغ بالبشرية من الرفعة والكرامة والتجرد والخلوص، والانطلاق والتحرر.. هذه القمة السامقة الوضيئة، التي لم تبلغها البشرية قط إلا في ظل الإسلام. ولا يمكن أن تبلغها إلا وهي تلبي هذا الهدف العلوي الكريم.
وقد وردت روايات عدة عن نزول هذه السورة نختار منها رواية الإمام أحمد : حدثنا محمد بن أبي عدي، عن داود، عن الشعبي، عن مسروق، قال : قالت عائشة : كان رسول اللّه - ﷺ - يكثر في آخر أمره من قوله :«سبحان اللّه وبحمده، أستغفر اللّه وأتوب إليه» وقال :«إن ربي كان أخبرني أني سأرى علامة في أمتي، وأمرني إذا رأيتها أن أسبح بحمده وأستغفره إنه كان توابا» فقد رأيتها.. «إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ، وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً، فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً»..
(٢) - صفوة التفاسير ـ للصابونى - (٣ / ٥٣٢)
(٣) - نظم الدرر ـ موافق للمطبوع - (٨ / ٥٥٩)