في السورة تعليم رباني بالاستعاذة باللّه من أسباب المخاوف والهواجس في معرض تدعيم وحدة اللّه ونبذ ما سواه. وبعض الروايات تذكر أنها مكية وبعضها تذكر أنها مختلف في مكيتها ومدنيتها، ومعظم روايات ترتيب النزول تسلكها في سلك السور المكية المبكرة في النزول، وأسلوبها يسوغ ترجيح مكيتها وتبكير نزولها.
ولقد روى البخاري ومسلم والترمذي عن عائشة قالت :«كان النبي - ﷺ - إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوّذتين وينفث فلما اشتدّ وجعه كنت أقرأ عليه وأمسح بيده رجاء بركتها» «١». وروى البخاري عنها أيضا :«أن النبيّ - ﷺ - كان إذا أوى إلى فراشه كلّ ليلة جمع كفّيه ثم نفث فيهما فقرأ فيهما قل هو اللّه أحد وقل أعوذ بربّ الفلق وقل أعوذ بربّ الناس ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده. يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده يفعل ذلك ثلاث مرات» «٢». وروى مسلم والترمذي عن عقبة بن عامر قال :«قال رسول اللّه - ﷺ - : ألم تر آيات أنزلت عليّ الليلة لم ير مثلهنّ قطّ قل أعوذ بربّ الفلق وقل أعوذ بربّ الناس» «٣». وروى أبو داود والنسائي عن عقبة أيضا قال :«كنت أقود لرسول اللّه - ﷺ - في السفر ناقته فقال لي يا عقبة ألا أعلّمك خير سورتين قرئتا فعلّمني قل أعوذ بربّ الفلق وقل أعوذ بربّ الناس» «١». وروى الاثنان نفسهما عن عقبة كذلك قال :«بينا أنا أسير مع رسول اللّه - ﷺ - بين الجحفة والأبواء إذ غشيتنا ريح وظلمة شديدة فجعل رسول اللّه - ﷺ - يتعوّذ بالمعوّذتين ويقول يا عقبة تعوّذ بهما فما تعوّذ متعوّذ بمثلهما قال وسمعته يؤمّنا بهما في الصلاة» «٢». وروى الترمذي بسند حسن عن عقبة أيضا قال :«أمرني رسول اللّه - ﷺ - أن أقرأ بالمعوّذتين في دبر كلّ صلاة» «٣».
والمتبادر أن ما احتوته السورتان من بث السكينة والطمأنينة في النفس وتعليم اللجوء إلى اللّه تعالى وحده والاستعاذة به في ظروف المخاوف والأزمات النفسية المتنوعة من الحكمة المنطوية في الأحاديث، وهي حكمة مستمرة الفائدة لاستمرار دواعيها. (١)
سورة الفلق مكيّة، وهي خمس آيات.
مكيتها أو مدنيتها : هذه السورة وسورة الناس مكية في قول الحسن وعطاء وعكرمة وجابر وهو رأي الأكثرين، ومدنية في رواية عن ابن عباس وقتادة وجماعة، قيل : وهو الصحيح.
تسميتها : سميت هذه السورة سورة الفلق، لافتتاحها بقوله تعالى : قُلْ : أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ والْفَلَقِ الشق وفصل الشيء عن بعضه، وهو يشمل كل ما انفلق من حب ونوى ونبات عن الأرض، وعيون ماء عن