وكان مسك ختامها ذكر الجزاء فى الآخرة بما يناسب أحكامها كلها، وقد روى أحمد والنسائي والحاكم وصححه، والبيهقي عن جبير بن نفير قال : حججت فدخلت على عائشة فقالت يا جبير تقرأ المائدة ؟ قلت نعم، فقالت : أما إنها آخر سورة نزلت، فما وجدتم فيها من حلال فاستحلّوه، وما وجدتم فيها من حرام فحرّموه. وروى أحمد والترمذي والحاكم والبيهقي عن عبد اللّه بن عمر قال : آخر سورة نزلت سورة المائدة والفتح. (١)
وتسمى أيضا العقود والمنقذة، قال ابن الفرس : لأنها تنقذ صاحبها من ملائكة العذاب وهي مدنية في قول ابن عباس ومجاهد وقتادة، وقال أبو جعفر بن بشر والشعبي : إنها مدنية إلا قوله تعالى : الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [المائدة : ٣] فإنه نزل بمكة.
وأخرج أبو عبيد عن محمد القرظي قال :«نزلت سورة المائدة على رسول اللّه - ﷺ - في حجة الوداع فيما بين مكة والمدينة وهو على ناقته فانصدعت كتفها فنزل عنها رسول اللّه - ﷺ - وذلك من ثقل الوحي»
وأخرج غير واحد عن عائشة رضي اللّه تعالى عنها قالت : المائدة آخر سورة نزلت، وأخرج أحمد والترمذي عن ابن عمر أن آخر سورة المائدة والفتح، وقد تقدم آنفا عن البراء أن آخر سورة نزلت براءة، ولعل كلا ذكر ما عنده، وليس في ذلك شيء مرفوع إلى النبي - ﷺ -، نعم
أخرج أبو عبيد عن ضمرة بن حبيب وعطية بن قيس قالا :«قال رسول اللّه - ﷺ - : المائدة من آخر القرآن تنزيلا فأحلوا حلالها وحرموا حرامها»
وهو غير واف بالمقصود لمكان «من».
واستدل قوم بهذا الخبر على أنه لم ينسخ من هذه السورة شيء، وممن صرح بعدم النسخ عمرو بن شرحبيل والحسن رضي اللّه تعالى عنهما، كما أخرج ذلك عنهما أبو داود، وأخرج عن الشعبي أنه لم ينسخ منها إلا قوله تعالى :
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلائِدَ [المائدة : ٢]، وأخرج ابن عباس رضي اللّه تعالى عنهما أنه قال : نسخ من هذه السورة آيتان آية القلائد وقوله سبحانه : فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ [المائدة : ٤٢] وادعى بعضهم أن فيها تسع آيات منسوخات، وسيأتي الكلام على ذلك إن شاء اللّه تعالى.
وعدة آيها مائة وعشرون عند الكوفيين، وثلاث وعشرون عند البصريين، واثنان وعشرون عند غيرهم، ووجه اعتلاقها بسورة النساء - على ما ذكره الجلال السيوطي عليه الرحمة - أن سورة النساء قد

(١) - تفسير الشيخ المراغى ـ موافقا للمطبوع - (٧ / ٦٧)


الصفحة التالية
Icon