اشتملت على عدة عقود صريحا وضمنا، فالصريح عقود الأنكحة وعقد الصداق وعقد الحلف وعقد المعاهدة والأمان، والضمني عقد الوصية والوديعة والوكالة والعارية والإجارة، وغير ذلك الداخل في عموم قوله تعالى : إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها [النساء : ٥٨] فناسب أن تعقب بسورة مفتتحة بالأمر بالوفاء بالعقود فكأنه قيل : يا أيها الناس أوفوا بالعقود التي فرغ من ذكرها في السورة التي تمت، وإن كان في هذه السورة أيضا عقود، ووجه أيضا تقديم النساء وتأخير المائدة بأن أول تلك يا أَيُّهَا النَّاسُ [النساء : ١] وفيها الخطاب بذلك في مواضع وهو أشبه بتنزيل المكي، وأول هذه يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [المائدة : ١] وفيها الخطاب بذلك في مواضع وهو أشبه بخطاب المدني، وتقديم العام وشبه المكي أنسب.
ثم إن هاتين السورتين في التلازم والاتحاد نظير البقرة وآل عمران، فتانك اتحدا في تقرير الأصول من الوحدانية والنبوة ونحوهما، وهاتان في تقرير الفروع الحكمية.
وقد ختمت المائدة في صفة القدرة كما افتتحت النساء بذلك، وافتتحت النساء ببدء الخلق، وختمت المائدة بالمنتهى من البعث والجزاء، فكأنهما سورة واحدة اشتملت على الأحكام من المبدأ إلى المنتهى، ولهذه السورة أيضا اعتلاق بالفاتحة والزهراوين كما لا يخفى على المتأمل. (١)
* سورة المائدة من السورة المدنية الطويلة، وقد تناولت كسائر السور المدنية جانب التشريع بإسهاب، مثل سورة البقرة، والنساء، والأنفال، إلى جانب موضوع العقيدة، وقصص أهل الكتاب، قال أبو ميسرة : المائدة من آخر ما نزل من القرآن، ليس فيها منسوخ وفيها ثمان عشرة فريضة.
* نزلت هذه السورة منصرف رسول الله ( - ﷺ - ) من الحديبية، وجماعها يتناول الأحكام الشرعية، لأن الدولة الإسلامية كانت في بداية تكوينها، وهي بحاجة إلى (المنهج الرباني) الذي يعصمها من الزلل، ويرسم لها طريق البناء والاستقرار.
* أما الأحكام التى تناولتها السورة فنلخصها فيما يلي :(أحكام العقود، الذبائح، الصيد، الإحرام، نكاح الكتابيات، الردة، أحكام الطهارة، حد السرقة، حد البغي، والإفساد في الأرض، أحكام الخمر والميسر، كفارة اليمين، قتل الصيد في الإحرام، الوصية عند الموت، البحيرة والسائبة، الحكم على من ترك العمل بشريعة الله) إلى آخر ما هنالك من الأحكام التشريعية.
* وإلى جانب التشريع قص تعالى علينا في هذه السورة، بعض القصص للعظة والعبرة، فذكر قصة بني إسرائيل مع موسى، وهى قصة ترمز إلى التمرد والطغيان، ممثلة في هذه الشرذمة الباغية من " اليهود "

(١) - روح المعانى ـ نسخة محققة - (٣ / ٢٢١)


الصفحة التالية
Icon