حين قالوا لرسولهم [ اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون ] وما حصل لهم من التشرد والضياع، إذ وقعوا في أرض التيه أربعين سنة [ قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض.. ]
* ثم قصة ابني آدم وهي قصة ترمز إلى الصراع العنيف بين قوتي الخير والشر، ممثلة في قصة (قابيل وهابيل) حيث قتل قابيل أخاه هابيل، وكانت أول جريمة نكراء تحدث في الأرض، أريق فيها الدم البريء الطاهر، والقصة تعرض لنموذجين من نماذج البشرية : نموذج النفس الشريرة الأثيمة، ونموذج النفس الخيرة الكريمة [ فسولت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين ].
* كما ذكرت السورة قصة " المائدة " التي كانت معجزة لعيسى ابن مريم ظهرت على يديه أمام الحواريين، والسورة الكريمة تعرض أيضا لمناقشة " اليهود والنصارى " في عقائدهم الزائفة، حيث نسبوا إلى الله ما لا يليق من الذرية والبنين، ونقضوا العهود والمواثيق، وحرفوا التوراة والإنجيل، وكفروا برسالة محمد عليه السلام، إلى آخر ما هنالك من ضلالات وأباطيل، وقد ختمت السورة الكريمة بالموقف الرهيب يوم الحشر الأكبر حيث يدعى السيد المسيح " عيسى ابن مريم " على رءوس الأشهاد، ويسأله ربه تبكيتاً للنصارى الذين عبدوه من دون الله [ أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله ؟ قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق ] ويا له من موقف مخز لأعداء الله، تشيب لهوله الرءوس، وتتفطر من فزعه النفوس!!. (١)
مقصودها الوفاء بما هدى إليه الكتاب، ودل عليه ميثاق العقل من توحيد الخالق ورحمة الخلائق شكراً لنعمه واستدفاعاً لنقمة، وقصة المائدة أدل ما فهيا على ذلك، فإن مضمونها أن من زاغ عن الطمأنينة بعد الكشف الشافي والإنعام الوافي نوقش الحساب فأخذه العذاب، وتسميتها بالعقود أوضح دليل على ما ذكرت من مقصودها وكذا الأحبار. (٢)
نزل هذا القرآن الكريم على قلب رسول اللّه - ﷺ - لينشىء به أمة وليقيم به دولة ولينظم به مجتمعا وليربي به ضمائر وأخلاقا وعقولا وليحدد به روابط ذلك المجتمع فيما بينه وروابط تلك الدولة مع سائر الدول وعلاقات تلك الأمة بشتى الأمم.. وليربط ذلك كله برباط قوي واحد، يجمع متفرقه، ويؤلف أجزاءه، ويشدها كلها إلى مصدر واحد، وإلى سلطان واحد، وإلى جهة واحدة.. وذلك هو الدين، كما هو في حقيقته عند اللّه وكما عرفه المسلمون. أيام أن كانوا «مسلمين»! ومن ثم نجد في هذه السورة - كما وجدنا في السور الثلاث الطوال قبلها - موضوعات شتى الرابط بينها جميعا هو هذا الهدف
(٢) - نظم الدرر ـ موافق للمطبوع - (٢ / ٣٨٤)