عرضت القصاص، والوصية، والصيام، والقتال، وبعض أحكام الحج. إلخ.
ثم تجيء سورة آل عمران، فتصرف عناية خاصة إلى مناقشة النصارى في قضية الألوهية، وإلى كشف بعض صور التزييف التي كان يصطنعها أهل الكتاب إخفاء لحق الإسلام ودعوته.
ثم ترشد المسلمين إلى ما يحفظ عليهم شخصيتهم، ويقيهم شر الوقوع في مخالب الأعداء وترسم لهم في ذلك الطرق الحكيمة التي تجعل منهم قوة الجهاد في تأييد الحق وهزيمة الباطل.
وعلى أساس من مشاركة سورة النساء لزميلاتها المدنيات في أصل الهدف تناولت الأمرين :
تنظيم جماعة المسلمين، ومناقشة أهل الكتاب في موضوع الألوهية والرسالة، غير أن عنايتها بجانب التنظيم كانت أشد من عنايتها بجانب المناقشة.
ثم تجيء سورة المائدة فتأخذ سبيل أخواتها أيضا، فتشرع للمسلمين في خاصة أنفسهم، وفي معاملة من يخالطون من أهل الكتاب، مع الإرشاد إلى طرق محاجتهم والتنبيه على أخطائهم وتحريفهم للكلم عن مواضعه. وتذكيرهم بسيئاتهم مع أنبيائهم. وقد استغرق ذلك معظم السورة.
أما سورة الأنعام فإنها لم تعرض لهدف من الأهداف الأصلية التي تميزت بها السور الأربع المدنية قبلها.
فهي أولا : لم تعرض لشيء من الأحكام التنظيمية لجماعة المسلمين، كالصوم والحج في العبادات، والعقوبات في الجنايات، والمداينة والربا في الأموال، وأحكام الأسرة في الأحوال الشخصية.
وهي ثانيا : لم تذكر في قليل ولا كثير شيئا يتعلق بالقتال ومحاربة الخارجين عن دعوة الإسلام.
وهي ثالثا : لم تتحدث في شيء ما عن أهل الكتاب من اليهود والنصارى وكذلك لم تتحدث عن طوائف المنافقين ولا عن أخلاقهم السيئة ومسالكهم المظلمة.
وهي رابعا : لا نجد فيها مع ذلك كله نداء واحدا للمؤمنين باعتبارهم جماعة تنتظمها وحدة الإيمان، لا نجد فيها شيئا من هذا كله كما وجدناه جميعا في السور الأربع السابقة، وإنما نجد الحديث فيها يدور بشدة وقوة حول العناصر الأولى للدعوة، ونجد سلاحها في ذلك، الحجة المتكررة، والآيات المصرفة، والتنويع العجيب في طرق الإلزام والإقناع : تذكر توحيد اللّه في الخلق وفي الإيجاد، وفي العبادة والتشريع، وتذكر موقف المكذبين وتقص عليهم ما حاق بأمثالهم السابقين، وتذكر شبههم في الرسالة، وتذكر يوم البعث والجزاء.
ولعلنا بعد هذا نلمس الفرق الجلى الواضح بين منهج سورة الأنعام، ومنهج السور الأربع المدنية قبلها ».
٦ - عرض عام لسورة الأنعام :