وتلاه السيد رحمه الله في الظلال، فقد حلَّق تحليقاً عجيباً في الكلام على موضوعات السور، بكلام بديع، قال مقدمة تفسير سورة الفاتحة :
"يرددُ المسلم هذه السورة القصيرة ذات الآيات السبع، سبع عشرة مرة في كل يوم وليلة على الحد الأدنى وأكثر من ضعف ذلك إذا هو صلَّى السنن وإلى غير حد إذا هو رغب في أن يقف بين يدي ربه متنفلا، غير الفرائض والسنن. ولا تقوم صلاة بغير هذه السورة لما ورد في الصحيحين عن رسول اللّه - ﷺ - من حديث عبادة بن الصامت :«لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب».
إن في هذه السورة من كليات العقيدة الإسلامية، وكليات التصور الإسلامي، وكليات المشاعر والتوجهات، ما يشير إلى طرف من حكمة اختيارها للتكرار في كل ركعة، وحكمة بطلان كل صلاة لا تذكر فيها...." (١)
ثم جاء الطاهر بن عاشور رحمه الله في تفسيره التحرير والتنوير، فذكر أهم ما اشتملت عليه السورة في بداية كل سورة، ولكن بشكل أوسع ودقيق، يقول في بداية سورة النصر بعد تعريفه بها :
" والغَرض منها الوعد بنصر كامل من عند الله أو بفتح مكة، والبشارة بدخول خلائق كثيرة في الإسلام بفتح وبدونه إن كان نزولها عند منصرف النبي ( - ﷺ - ) من خيبر كما قال ابن عباس في أحد قوليه.
والإِيماءُ إلى أنه حين يقع ذلك فقد اقترب انتقال رسول الله ( - ﷺ - ) إلى الآخرة.
ووعدُه بأن الله غفر له مغفرة تامة لا مؤاخذة عليه بعدها في شيء مما يختلج في نفسه الخوف أن يكون منه تقصير يقتضيه تحديد القوة الإنسانية الحدَّ الذي لا يفي بما تطلبه همَّتُه المَلَكية بحيث يكون قد ساوَى الحد الملَكي الذي وصفه الله تعالى في الملائكة بقوله :( يسبحون الليل والنهار لا يفترون ( ( الأنبياء : ٢٠ )." (٢)
ثم تلاه الخطيب رحمه الله (٣) في التفسير القرآني بالقرآن، فقد ذكر مناسبة كل سورة لما قبلها بشكل دقيق جدا، يقول في مناسبة سورة المسد لما قبلها :
(٢) - التحرير والتنوير ـ الطبعة التونسية - (٣٠ / ٥٨٩)
(٣) - لا أدري أحي هو أم مات، والرحمة تجوز للحي والميت