وقد ساقت السورة الكريمة كل ذلك بأسلوب يهدى القلوب، ويشرح الصدور، ويرشد الناس إلى مواطن عزهم وسعادتهم. (١)
في هذه السورة إشارات على سبيل الموعظة والعتاب والتذكير إلى وقعة بدر وظروفها ومشاهدها وما كان لها من آثار في المسلمين والكفار. وفيها تشديد وتوطيد لسلطان النبي - ﷺ - وطاعته. وتوطيد للوحدة الإسلامية والإخلاص للمصلحة العامة وعدم التأثّر بأي اعتبار شخصي أو أسروي في سبيل ذلك. وإنذار شديد للمخالفين والكفار والغادرين والخائنين. وحثّ على الاستعداد للعدو وقتاله والثبات أمامه إلى أن يرعوي وتتوطد كلمة اللّه وحرية دينه مع الدعوة المكررة إلى الإسلام والارعواء ومقابلة الميول السلمية بمثلها. وفيها تشريع لخمس الغنائم الحربية وتخصيصه للمصالح الإسلامية العامة والمحتاجين.
وفصول السورة منسجمة متسلسلة السياق مما يسوغ القول إنها نزلت دفعة واحدة أو فصولا متتابعة عقب وقعة بدر.
وقد روي أن الآيات [٣٠ - ٣٦] مكية، ونحن نشك في هذه الرواية لأن الآيات منسجمة في سياقها موضوعا وسبكا. وقد شكّ في ذلك مفسرون آخرون أيضا.
وبعض رواة ترتيب نزول السور المدنية يذكرون هذه السورة ثانية السور نزولا وبعضهم يذكرونها ثالثة بل بعضهم يذكرونها رابعة. وعلى كل حال فإن نزولها عقب وقعة بدر يكاد يكون يقينيا وتلهمه فحوى آياتها بقوة وهو المتفق عليه. وهذه الوقعة كانت بعد هجرة النبي - ﷺ - إلى المدينة بسنة وشهور قليلة مختلف على عددها. ولما كانت آيات البقرة [٢١٧ - ٢١٨] نزلت في صدد سرية عبد اللّه بن جحش على ما ذكرناه في سياقها في الجزء السابق وهي آخر سرية سيّرها النبي قبل وقعة بدر فيكون ترتيبها كثانية السور نزولا مقاربا وإن لم يمكن أن يقال إنه صحيح كل الصحة. وهذا التحفظ بسبب آيات في سورة آل عمران وهي قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهادُ (١٢) قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرى كافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ (١٣) التي يكاد يجمع الرواة على أنها في صدد إنذار يهود بني قينقاع التي احتوت سورة الأنفال آيات يجمع الرواة كذلك على أنها في صدد حصار هؤلاء اليهود وإجلائهم ثم بسبب احتمال نزول فصول عديدة من سورة البقرة بعد سورة الأنفال حيث احتوت سورة البقرة فصولا عديدة متأخرة في النزول كثيرا على ما نبهنا عليه في مقدمتها واللّه أعلم. (٢)

(١) - التفسير الوسيط للقرآن الكريم لطنطاوي - (٦ / ٧)
(٢) - التفسير الحديث لدروزة- موافق للمطبوع - (٧ / ٧)


الصفحة التالية