وقال صاحب المنار : هي مدنية بالاتفاق. وقيل :

إلا قوله - تعالى - ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى الآية وذلك لما روى في الحديث المتفق عليه من نزولها في النهى عن استغفاره - ﷺ - لعمه أبى طالب - كما سيأتى تفصيله عند تفسيرها.
ويجاب عنه بجواز أن يكون نزولها تأخر عن ذلك، وبما يقوله العلماء في مثل هذا المقام من جواز نزول الآية مرتين : مرة منفردة ومرة في أثناء السورة.
واستثنى ابن الفرس قوله - تعالى - لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ إلى آخر الآيتين اللتين في آخرها فزعموا أنهما مكيتان.
ويرده ما رواه الحاكم وأبو الشيخ في تفسيره عن ابن عباس من أن هاتين الآيتين من آخر ما نزل من القرآن، كما يرده أيضا قول الكثيرين من أن هذه السورة نزلت تامة.
وما يعارض هذا مما ورد في أسباب نزول بعض الآيات، يجاب عنه بأن أكثر ما روى في أسباب النزول، كان يراد به أن الآية نزلت في حكم كذا. أعنى أن الرواة كانوا يذكرونها كثيرا في مقام الاستدلال. وهذا لا يدل على نزولها وحدها، ولا على كون النزول كان عند حدوث ما استدل بها عليه، كما قلنا آنفا في احتمال نزول آية استنكار الاستغفار للمشركين في المدينة، وإن كان ما ذكروه من سببها حدث بمكة قبل الهجرة ».
وقال بعض العلماء : ومن مراجعة نصوص السورة مراجعة موضوعية، ومراجعة ما جاء في الروايات المأثورة عن أسباب النزول وملابساته، ومراجعة أحداث السيرة النبوية كذلك..
يتبين أن السورة بجملتها نزلت في العام التاسع من الهجرة. ولكنها لم تنزل دفعة واحدة.
ومع أننا لا نملك الجزم بالمواقيت الدقيقة التي نزلت فيها مقاطع السورة في خلال العام التاسع، إلا أنه يمكن الترجيح بأنها نزلت في ثلاث مراحل :
المرحلة الأولى منها : كانت قبل غزوة تبوك في شهر رجب من هذا العام.
والمرحلة الثانية : كانت في أثناء الاستعداد لهذه الغزوة ثم في ثناياها.
والمرحلة الثالثة : كانت بعد العودة منها.
أما مقدمات السورة من أولها إلى نهاية الآية الثامنة والعشرين منها، فقد نزلت متأخرة في نهاية السنة التاسعة قبيل موسم الحج من ذي القعدة أو في ذي الحجة.
وهذا - على الإجمال - هو كل ما يمكن ترجيحه والاطمئنان إليه.


الصفحة التالية
Icon