والذي نراه أن هذا القول هو الذي تسكن إليه النفس في الحديث عن زمان ومكان نزول السورة الكريمة لأن الذي يستعرض آياتها يراها - في مجموعها - ترسم للمؤمنين ما يجب أن تكون عليه علاقاتهم مع المشركين، ومع أهل الكتاب ومع المنافقين ومع غيرهم من الطوائف.
كما يراها ترسم لهم الطريق الذي يجب عليهم أن يتخذوه أساسا لدولتهم. ومنهاجا لحياتهم، حتى تستمر عزتهم، وتبقى كلمتهم عالية قوية بعد أن فتح اللّه لهم مكة وأذل الشرك وأهله.
كما يراها - أيضا - تتحدث باستفاضة عن أحداث قد وقعت خلال غزوة تبوك أو قبلها أو بعدها. وغزوة تبوك قد كانت في السنة التاسعة من الهجرة.
٥ - لما ذا لم تذكر البسملة في أول سورة التوبة؟.
للإجابة على هذا السؤال ذكر العلماء أقوالا متعددة لخصها القرطبي تلخيصا حسنا فقال :
واختلف العلماء في سبب سقوط البسملة من أول هذه السورة على أقوال خمسة :
الأول :- أنه قيل كان من شأن العرب في زمانها في الجاهلية، إذا كان بينهم وبين قوم عهد وأرادوا نقضه، كتبوا إليهم كتابا ولم يكتبوا فيه بسملة فلما نزلت سورة براءة بنقض العهد الذي كان بين النبي - ﷺ - والمشركين، بعث بها النبي - ﷺ - على بن أبى طالب فقرأها عليهم في الموسم، ولم يبسمل في ذلك على ما جرت به عادتهم في نقض العهود من ترك البسملة.
وقول ثان :- روى النسائي قال : حدثنا أحمد قال : حدثنا محمد بن المثنى عن يحيى بن سعيد قال : حدثنا عوف، قال : حدثنا يزيد الرقاشي - وفي صحيح الترمذي يزيد الفارسي - قال : قال لنا ابن عباس : قلت لعثمان : ما حملكم على أن عمدتم إلى « الأنفال » وهي من المثاني، وإلى « براءة » وهي من المئين فقرنتم بينهما، ولم تكتبوا سطر بسم اللّه الرحمن الرحيم، ووضعتموها في السبع الطوال فما حملكم على ذلك؟
قال عثمان : إن رسول اللّه - ﷺ - كان إذا نزل عليه الشيء يدعو بعض من يكتب عنده فيقول :« ضعوا هذه الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا » وكانت « الأنفال » من أوائل ما أنزل - أى بعد الهجرة، و« براءة » من آخر القرآن نزولا، وكانت قصتها شبيهة بقصتها. وقبض رسول اللّه - ﷺ - ولم يبين لنا أنها منها فظننت أنها منها، فمن ثم قرنت بينهما ولم أكتب بينهما سطر بسم اللّه الرحمن الرحيم.
وقول ثالث : روى عن عثمان أيضا. وقال مالك فيما رواه ابن وهب وابن القاسم وابن عبد الحكم : إنه لما سقط أولها سقط بسم اللّه الرحمن الرّحيم معه.
وروى ذلك عن ابن عجلان أنه بلغه أن سورة « براءة » كانت تعدل البقرة أو قربها فذهب منها : فلذلك لم يكتب بسم اللّه الرحمن الرحيم.