إلى غير ذلك من وجوه المناسبة.
وقال صاحب المنار : وأما التناسب بينها وبين ما قبلها فإنه أظهر من التناسب بين سائر السور بعضها مع بعض، فهي - أى التوبة - كالمتممة لسورة الأنفال في معظم ما فيهما من أصول الدين وفروعه والسنن الإلهية والتشريع وأحكام المعاهدات.. فما بدئ به في الأولى أتم في الثانية، مثال ذلك.
١ - أن العهود ذكرت في سورة الأنفال، وافتتحت سورة التوبة بتفصيل الكلام فيها، ولا سيما نبذها الذي قيد في الأولى بخوف خيانة الأعداء.
٢ - تفصيل الكلام في قتال المشركين وأهل الكتاب في كل منهما.
٣ - ذكر في الأولى صد المشركين عن المسجد الحرام وأنهم ليسوا بأوليائه، وجاء في الثانية ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللَّهِ....
٤ - ذكر في أول الأولى صفات المؤمنين الكاملين، وذكر بعد ذلك بعض صفات الكافرين، ثم ذكر في آخرها حكم الولاية بين كل من الفريقين. وجاء في الثانية مثل هذا في مواضع أيضا.
والحق أن الذي يقرأ السورتين بتأمل وتدبر يراهما تعطيانه ما يشبه أن يكون صورة تاريخية مجملة لدعوة النبي - ﷺ - وجهاده إلى أن أتم اللّه له نعمة النصر.
فمثلا عند ما نقرأ سورة الأنفال نراها تتحدث عن حالة المسلمين قبل الهجرة كما في قوله - تعالى - وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ... الآية ٢٦.
كما تتحدث عن المكر السيئ الذي صدر عن المشركين والذي كان من أسباب الهجرة، كما في قوله - تعالى - وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ الآية ٣٠.
ثم نراها تفيض في الحديث عن غزوة بدر، وتشير إلى ما ظهر من المنافقين فيها إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ. الآية ٤٩. وإلى ما حدث من اليهود من نقض للعهود وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ الآية ٥٨.
أما سورة التوبة فنراها تذكر المسلمين بالنصر الذي منحه اللّه لهم في مواطن كثيرة قال - تعالى - لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ... « الآية ٢٥ » كما تصف بالتفصيل مواقف المنافقين في غزوة تبوك وغيرها.
ولعل قيام السورتين الكريمتين بإعطاء القارئ ما يشبه أن يكون صورة تاريخية مجملة للدعوة الإسلامية هو الحكمة في وضعهما مقترنتين وفي تسميتهما بالقرينتين.