٤ - ثم ذكرت آثار القدرة الإلهية الباهرة التي تدل على عظمة اللّه وضرورة الإيمان به، لأنه مصدر الحياة والرزق والنعم : قُلْ : مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ، أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ، وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ، وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ، وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ، فَسَيَقُولُونَ : اللَّهُ، فَقُلْ : أَفَلا تَتَّقُونَ؟!.
٥ - ثم تناولت بإيجاز للعبرة والعظة وتقرير صدق القرآن قصص بعض الأنبياء، كقصة نوح عليه السّلام في تذكير قومه، وقصة موسى عليه السّلام مع فرعون، واستعانة فرعون بالسحرة لإبطال دعوة موسى، وشأن موسى مع قومه، ودعائه على فرعون، ونجاة بني إسرائيل، وغرق فرعون في البحر، وقصة يونس عليه السّلام مع قومه، فصار المذكور في هذه السورة ثلاث قصص.
٦ - ختمت السورة بما أشارت إليه في الآية [٥٧] : يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وهو اتباع رسالة القرآن وشريعة اللّه، لما فيها من خير وصلاح للإنسان : قُلْ : يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ، فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ.. وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ، وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ، وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ. (١)
سورة يونس - عليه السلام -مكية كلها، وقيل إلا آيتي ٩٤، ٩٥ فمدنيتان والصحيح الأول، وعدد آياتها ١٠٩ آية. وفيها مناقشة الكفار في العقائد الدينية وتوجيه النظر إلى آيات اللّه الكونية، وسرد بعض القصص للعظة والعبرة، وخاصة موسى مع فرعون، وما يتخلل ذلك من ذكر لطبيعة الإنسان، ووصف للدنيا، وانتقال إلى وصف مشاهد القيامة المؤثرة وما يتبع ذلك من إثبات للبعث، ووصف للقرآن وأثره في النفوس ومناقشة منكريه. (٢)
وجه مناسبتها لسورة براءة أن الأولى ختمت بذكر الرسول - ﷺ - وهذه ابتدأت به، وأيضا أن في الأول بيانا لما يقوله المنافقون عند نزول سورة من القرآن وفي هذه بيان لما يقوله الكفار في القرآن حيث قال سبحانه : أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ [يونس : ٣٨] الآية، وقال جل وعلا : وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ [يونس : ١٥] وأيضا في الأولى ذم المنافقين بعدم التوبة والتذكر إذا أصابهم البلاء في قوله سبحانه : أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ [التوبة : ١٢٦] على أحد الأقوال وفي هذه ذم لمن يصيبه البلاء فيرعوي ثم يعود وذلك في قوله تعالى : وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ [يونس : ١٢] وفي قوله سبحانه : حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ

(١) - التفسير المنير ـ موافقا للمطبوع - (١١ / ٩٣)
(٢) - التفسير الواضح ـ موافقا للمطبوع - (٢ / ٣٦)


الصفحة التالية
Icon