قال ابن إسحاق خلال حديثه عن هذه الفترة : ثم إن خديجة بنت خويلد وأبا طالب هلكا في عام واحد، فتتابعت على رسول اللّه - ﷺ - المصائب بهلك خديجة - وكانت له وزير صدق على الإسلام يشكو إليها - ويهلك عمه أبى طالب - وكان له عضدا وحرزا في أمره، ومنعة وناصرا على قومه، وذلك قبل مهاجره إلى المدينة بثلاث سنين.
فلما هلك أبو طالب نالت قريش من رسول اللّه - ﷺ - من الأذى، ما لم تكن تطمع فيه في حياة أبى طالب، حتى اعترضه سفيه من سفهاء قريش، فنثر على رأسه ترابا.
ثم قال ابن إسحاق : فحدثني هشام بن عروة، عن أبيه عروة بن الزبير قال لما نثر ذلك السفيه على رأس رسول اللّه - ﷺ - ذلك التراب دخل رسول اللّه - ﷺ - بيته، والتراب على رأسه، فقامت إليه إحدى بناته، فجعلت تغسل عنه التراب، وهي تبكى، ورسول اللّه - ﷺ - يقول لها :« لا تبكى يا بنية، فإن اللّه مانع أباك »..
قال : ويقول بين ذلك :« ما نالت منى قريش شيئا أكرهه حتى مات أبو طالب » « ١ ».
وسنرى عند استعراضنا للسورة الكريمة، أنها صورت هذه الفترة أكمل تصوير.
٥ - مناسبتها لسورة يونس - عليه السلام - :
قال الآلوسى - رحمه اللّه - : ووجه اتصالها بسورة يونس، أنه ذكر في سورة يونس قصة نوح - عليه السلام - مختصرة جدا ومجملة، فشرحت في هذه السورة وبسطت فيها ما لم تبسط في غيرها من السور.. ثم إن مطلعها شديد الارتباط بمطلع تلك، فإن قوله - تعالى - هنا الر. كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ... نظير قوله - سبحانه - هناك الر. تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ... بل بين مطلع هذه وختام تلك شدة ارتباط - أيضا -، حيث ختمت بنفي الشرك، واتباع الوحى، وافتتحت هذه ببيان الوحى والتحذير من الشرك.
٦ - عرض إجمالى للسورة الكريمة :
عند ما نطالع سورة هود بتدبر وتأمل، نراها في الربع الأول » منها - قد افتتحت بالتنويه بشأن القرآن الكريم. وبدعوة الناس إلى إخلاص العبادة للّه - تعالى - وحده، وإلى التوجه إليه بالاستغفار والتوبة الصادقة، حتى ينالوا السعادة في دنياهم وآخرتهم. قال - تعالى - : الر. كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ. أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ. وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى، وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ، وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ. إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.