عليك منها قائم وحصيد. " إلى قوله تعالى :" وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهى ظالمة إن أخذه أليم شديد "
* وختمت السورة الكريمة ببيان الحكمة من ذكر قصص المرسلين، وذلك للاعتبار بما حدث للمكذبين في العصور السالفة، ولتثبيت قلب النبي ( - ﷺ - ) أمام تلك الشدائد والأهوال " وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك، وجاءك في هذه الحق وموعظةِ وذكرى للمؤمنين.. " إلى قوله : فأعبده وتوكل عليه، وما ربك بغافل عما تعملون، وهكذا تختم السورة بالتوحيد كما بدأت به، ليتناسق البدء مع الختام !! (١)
مقصودها وصف الكتاب بالإحكام والتفصيل في حالتي البشارة والنذارة المقتضي ذلك لمنزلة سبحانه وضع كل شيء في أتم محاله وإنفاذه مهما أريد الموجب للقدرة على كل شيء، وأنسب ما فيها لهذاالمقصد ما ذكر في سياق قصة هو عليه السلام من أحكام البشارة والنذارة بالعاجل والآجل والتصريح بالجزم بالمعالجة بالمبادرة الناظر إلى أعظم مدارات السورة ) فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك ( والعناية بكل دابة والقدرة على كل شيء من البعث وغيره المقتضي للعلم بكل معلوم اللازم منه التفرد بالملك.
وسيأتي في الأحاف وجه اختصاص كل منهما باسمهما ) بسم الله ) أي الذي له تمام العلم وكمال الحكمة وجميه القدرة ) الرحمن ( لجميع خلقه بعموم البشارة والنذارة ) الرحيم ( لأهل ولايته بالحفظ في سلوك سبيله ) (٢)
هذه السورة مكية بجملتها. خلافا لما ورد في المصحف الأميري من أن الآيات (١٢، ١٧، ١١٤) فيها مدنية. ذلك أن مراجعة هذه الآيات في سياق السورة تلهم أنها تجيء في موضعها من السياق، بحيث لا يكاد يتصور خلو السياق منها بادئ ذي بدء. فضلا على أن موضوعاتها التي تقررها هي من صميم الموضوعات المكية المتعلقة بالعقيدة، وموقف مشركي قريش منها، وآثار هذا الموقف في نفس رسول اللّه - ﷺ - والقلة المسلمة معه، والعلاج القرآني الرباني لهذه الآثار..
فالآية ١٢ مثلا هذا نصها :«فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا : لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ! إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ، وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ». وواضح أن هذا التحدي وهذا العناد من قريش إلى الحد الذي يضيق به صدر رسول اللّه - ﷺ - بحيث يحتاج إلى التسرية عنه، والتثبيت على ما يوحى إليه إنما كان في مكة وبالذات في الفترة التي تلت وفاة أبي طالب وخديجة،
(٢) - نظم الدرر ـ موافق للمطبوع - (٣ / ٤٩٨)