والمحاورات التي دارت بينهم وبين أبيهم في شأن اصطحابهم ليوسف، والتي منها قوله - تعالى - : قالُوا يا أَبانا ما لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ قالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ قالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذاً لَخاسِرُونَ.
والمحاورات التي دارت بين يوسف وإخوته، بعد أن عرفهم وهم له منكرون، وبعد أن ترددوا عليه ثلاث مرات للحصول على حاجتهم من الزاد... والتي منها قوله - تعالى - :
فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ، فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ. قالَ هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ قالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ، قالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا، إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ قالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنا وَإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ قالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ.
وهكذا نجد السورة الكريمة زاخرة بأسلوب المحاورات والمناقشات والمجادلات. تارة بين يوسف وإخوته، وتارة بين إخوته فيما بينهم، وتارة بينهم وبين أبيهم، وتارة بين يوسف وامرأة العزيز، وتارة بينه وبين ملك مصر في ذلك الوقت.
وهذه المحاورات التي حفلت بها السورة الكريمة، قد أكسبتها لونا من العرض المشوق، الذي يجعل القارئ لها يتعجل حفظ كل موضوع من موضوعاتها، ليصل إلى الموضوع الذي يليه.
وهذا الأسلوب في عرض الحقائق من أسمى الأساليب التي تعين القارئ على حفظ القرآن الكريم، وعلى تدبر معانيه، وعلى الانتفاع بهداياته..
(ب) إبرازها لجوهر الأحداث ولبابها.. أما تفاصيل هذه الأحداث. فتركت معرفتها لفهم القارئ وفطنته، وسلامة تفكيره، وحسن تدبره لكلام اللّه - تعالى -..
وهذا اللون من العرض للأحداث، يسمى في عرف البلغاء، بأسلوب الإيجاز بالحذف والقارئ لهذه السورة الكريمة بتدبر وتأمل، يراها على رأس السور القرآنية التي كثر فيها هذا الأسلوب البليغ.
فمثلا قوله - تعالى - : وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ، قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ... معطوف على كلام محذوف يفهم من السياق.
والتقدير : وبعد أن ألقى إخوة يوسف به في الجب وانصرفوا لشئونهم « جاءوا على قميصه بدم كذب » لكي يخدعوا أباهم، فلما أخبروه بأن الذئب قد أكله قال : بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ....


الصفحة التالية
Icon