٥ - إن مثار الفتنة هو خلوة الرجل بالمرأة، لذا حرمها الإسلام، وحرم سفر المرأة لمسافة قصيرة بغير محرم، ولو بوسائط النقل السريعة الحديثة، لما يطرأ لها من عثرات ومضايقات ملحوظة ومشكلات تصاحب الأسفار، ثبت في الحديث الذي أخرجه الترمذي والنسائي :«لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان».
٦ - الإيمان بالمبدأ، وصلابة الاعتقاد سبيل لتخطي الصعاب، والترفع عن الدنايا، وذلك هو الذي جعل ليوسف نفسا كريمة، وروحا طاهرة، وعزيمة صماء لا تلين أمام الشهوات والمغريات.
٧ - الاعتصام باللّه عند الشدة، واللجوء إليه عند الضيق، فلم يأبه يوسف عليه السّلام بتوعد امرأة العزيز له بالسجن، وإنما لجأ إلى اللّه قائلا : رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ.
٨ - المحنة لا تثني المؤمن عن واجبه في الدعوة إلى اللّه تعالى، فإن يوسف عليه السّلام بالرغم من كونه في السجن، انتهز فرصة تأويل رؤيا سجينين معه، فبادر إلى الدعوة إلى التوحيد ودين اللّه، لعل الموجودين معه يؤمنون بدعوته، وقد أسلم فعلا الملك، ومستعبر الرؤيا الساقي، والشاهد فيما يقال.
٩ - الفطنة لاستغلال الأحداث والاتصاف بالإباء والشمم، فلم يبادر يوسف عليه السّلام إلى الخروج من السجن، حتى تعلن براءته، وتظهر طهارته، وشرف نفسه، حتى لا يوصف بأنه مجرم، أودع السجون بجرمه.
١٠ - إظهار فضيلة الصبر، فقد كان يوسف متدرعا بدرع الصبر على الأذى، لاجتياز العقبات والصعاب والمصائب التي تعرّض لها وهي ما ذكر، والصبر مفتاح الفرج، ونصف الإيمان، وطريق تحقيق النصر، وقد نصره اللّه كما نصر باقي الرسل بعد الاستيئاس. وتوّج نصره بالعفو عن إخوته وكرمه في العفو الذي أصبح مضرب الأمثال، حتى قال : لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ، يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ....
١١ - أسفرت قصة يوسف عن براءته المطلقة، كبراءة الذئب من دمه، فقد تضافرت شهادات عديدة على براءته، كما ذكر الرازي :
أولها - شهادة رب العالمين : فقد شهد اللّه تعالى ببراءته عن الذنب بقوله : كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ، إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ شهد تعالى في هذه الآية على طهارته أربع مرات، بقوله : لِنَصْرِفَ.. واللام للتأكيد والمبالغة، وقوله : وَالْفَحْشاءَ وقوله : إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا وقوله : الْمُخْلَصِينَ.
وثانيها - شهادة الشيطان ببراءته بقوله : فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ، إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ [ص ٣٨/ ٨٢] فأقر بأنه لا يمكنه إغواء المخلصين، ويوسف من المخلصين، للآية السابقة.
وثالثها - شهادة يوسف عليه السّلام بقوله : هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وقوله : رَبِّ، السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ.